الاستجابة الإنسانية لمواجهة أزمة اللاجئين
لمواجهة تداعيات أزمة النازحين السوريين، فقد أطلقت الحكومة اللبنانية «خطة لبنان للاستجابة للأزمة»، بمثابة برنامج مشترك بين الحكومة اللبنانية وشركائها الدوليين والمحليين، ويتمّ تنفيذه بإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية ومشاركة كلّ من مفوضية شؤون اللاجئين التي تتولى قيادة مكوّن الاستجابة الإنسانية، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومع العديد من الجهات الإنسانية الدولية، وتضمّ قائمة الشركاء في هذه الخطة (قرابة 160 شريكاً)، وزارات لبنانية إلى جانب وكالات الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية محلية ودولية.
ولمواجهة تداعيات أزمة النازحين فقد تم إطلاق مبادرة «خطة لبنان للاستجابة للأزمة 2015-2016»، ثم بعدها «خطّة لبنان للاستجابة للأزمة 2017-2020»، وكذلك خطة الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار التي تم إطلاقها في عام 2020 لتوفير المزيد من التمويل للبنان في أعقاب تفجير مرفأ بيروت، ثم خطة الاستجابة للطوارئ، التي تم إطلاقها في شهر آب من العام 2021، كما تم إطلاق نداء منقّح لخطة الاستجابة للطوارئ لتلبية الاحتياجات حتى نهاية عام 2022.
وفي 20 حزيران 2022، تم إطلاق «خطة لبنان للاستجابة للأزمة لعام 2022-2023»، بدعوة من وزارة الشؤون الاجتماعية، حيث طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من المجتمع الدولي المساعدة لإعادة النازحين السوريين، وإلّا فسيعمل لبنان «على إخراج السوريين بالطرق القانونية، من خلال تطبيق القوانين اللبنانية.. ذلك أنه وعلى مدى السنوات الـ11 الماضية، فقد تحمّل لبنان عبئا ضاغطاً لا يحتمل بسبب وجود أكثر من 1.7 مليون نازح سوري ولاجئ فلسطيني يعيشون في جميع أنحاء البلاد، أي في 97 في المائة من البلديات في كل لبنان»..
وتعمل الخطة التي يتم تطبيقها اليوم لمساعدة 3.2 مليون شخص في البلاد عام 2023، والهدف هو تقديم الدعم إلى 1.5 مليون لبناني و1.5 مليون نازح سوري وأكثر من 209,000 لاجئ فلسطيني.
ويتفرّع من الخطة الرئيسية خطط الاستجابة القطاعية التي تشمل: الإعانات الأساسية، التعليم، الطاقة، المأكل، الأمن الغذائي والزراعة، الصحة، سبل العيش، الحماية، المأوى، الاستقرار الاجتماعي والمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية..
بحيث يتم تنفيذ عملية دمج واسعة في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسكانية والصحية، وذلك باعتماد مختلف وسائل المساعدة النقدية متعددة الأغراض منذ عام 2013، من خلال النقد وبطاقات الصراف الآلي لتعزيز قدرة العائلات على تغطية احتياجاتها الأساسية، مثل الايجار والغذاء والأدوية وتقليل تعرّضهم للاستغلال.
مشروع إغاثة الأطفال السوريين
مع استمرار تدهور الوضع في لبنان، ولمواجهة أعباء النزوح السوري الطويل الأمد، ما أدّى الى تزايد الولادات وعدد الأطفال لدى النازحين السوريين، فقد تم أنشاء «مشروع إغاثة الأطفال السوريين» استجابة لأزمة اللاجئين الحالية، ولضمان حصول هؤلاء الأطفال على الرعاية الطبية الأساسية، وغيرها من المساعدات اللازمة لعيش حياة أفضل.
هكذا تتم رعاية اللاجئين الى جانب الفقراء على عاتق البلدان النامية، وهذا يشبه على المستوى الدولي، ما حصل بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، حيث تم تأسيس صندوق إغاثة أطفال فلسطين (PCRF) في عام 1992 في الولايات المتحدة، لتقديم رعاية طبية مجانية للأولاد والبنات العرب في جميع أنحاء الشرق الأوسط المصابين بأمراض خطيرة والتي لا يمكن توفيرها في بلدانهم الأصلية..
وبحسب منظمة «هيومن رايتس ووتش»، فان أقلّ من نصف الأطفال اللاجئين في سن الدخول إلى المدرسة في لبنان ملتحقون بالتعليم الرسمي عام 2021.. حيث «يستضيف لبنان 660 ألف طفل سوري لاجئ في سن المدرسة، لكن بحسب تقييم الأمم المتحدة فان 30 في المائة منهم، أي 200 ألف طفل، لم يذهبوا إلى المدرسة قط، وأن 60 في المائة منهم لم يتسجّلوا في المدارس خلال السنوات الأخيرة»… كما ترى المنظمة انه «على وزارة التربية تغيير السياسات التي تمنع أطفال اللاجئين من الوصول إلى التعليم… بسبب التدابير التي تشترط حصولهم على سجلات تعليمية مُصدَّقة، وإقامة قانونية في لبنان، وغيرها من الوثائق الرسمية التي لا يستطيع معظم السوريين الحصول عليها».
أما حول الأميّة والتسرّب المدرسي وعمل الاطفال، فترتفع نسبة الأمية بين الأطفال اللبنانيين في المناطق الفقيرة المكتظة بالسكان، حيث ترتفع الأمية في محافظتي الشمال وعكار لتبلغ 8 في المائة، بينما هي 5.6 في المائة في بيروت، لكن نسبة الأمية تصل الى أكثر من 20 في المائة في بعض أحياء طرابلس، مثل القبة، والتبانة، وبعض أحياء المدينة القديمة، وضواحي المدن الفقيرة التي تستضيف السوريين..
انتشار ظاهرة عمل الأطفال في الشوارع
أظهر تقييم أجرته «اليونيسف» بالنسبة لعمالة الاطفال اللاجئين في عام 2021، أنّ نسبة الأسر التي أرسلت أطفالها للعمل في لبنان، قد ارتفعت إلى 12 في المئة في تشرين الأول 2021. أما بالنسبة للأسر اللبنانية، فقد ارتفعت هذه النسبة خلال السنوات الأخيرة لتصل إلى 7 في المئة.
وترتفع نسبة عمل الأطفال لدى الأسر اللبنانية في المناطق الفقيرة، حيث أن نسبة الامية بين الأطفال دون سنّ 18 عاماً هي 13 في المائة في لبنان عام 2017..
كما تزداد نسب الأطفال العاملين في مختلف القطاعات، وبخاصة في الزراعة، وأعمال البناء، وتقديم الخدمات في الأبنية، بالإضافة الى تزايد انتشار الأطفال في الشوارع، أو في محلات تصليح دواليب السيارات، أو في المتاجر والمحلات المنتشرة في الأسواق، أو خدمات المطاعم، وغيرها لجهة إنشاء محلات تجارية صغيرة، و«دكاكين» لبيع الخضار والفاكهة بين الأحياء في المدن (شارع الأوزاعي في الضاحية الجنوبية لبيروت).. بينما تشير بعض التقديرات الى ان عدد الأطفال العاملين في لبنان بات يزيد على 100 ألف طفل.
ويتبيّن بحسب الدراسة التي أعدّتها وزارة العمل اللبنانية، حول «الأطفال المتواجدون والعاملون في الشوارع في لبنان» عام 2015، بالتعاون مع «منظمة العمل الدولية»، و«اليونسيف» و«جمعية إنقاذ الأطفال»، فنجد أن «73 في المائة من أطفال الشوارع هم سوريون، و10 في المائة لبنانيون، و8 في المائة من الفلسطينيين. أما الباقون فهم من الأقليات ومعدومي الجنسية».. وتعتبر هذه الدراسة الأولى من نوعها، حيث تم «تقدير عدد الأطفال (المشردين) الذين يعيشون ويعملون في الشوارع بـ»1510 منتشرين في 18 منطقة لبنانية شملتها عينة البحث».
وقد «شكّل الأطفال المنخرطون في التسوّل، غالبية بين الأطفال العاملين في الشوارع، بنسبة 43 في المائة، يليهم الأطفال الذين يعملون كباعة متجولين ونسبتهم 37 في المائة، كما أظهرت النتائج أيضاً، تركّز التسوّل خارج المراكز المدينية الرئيسية، بحيث تشمل ظاهرة التسوّل في البقاع 47 في المائة بين الأطفال العاملين، وفي عكار 37 في المائة… كما أن أكثر من ثلثي الأطفال العاملين في الشوارع هم من الذكور.
ويتركّز عمل الأطفال في شوارع المدن الكبرى، خصوصاً في منطقتي بيروت الكبرى وطرابلس.
وقد سجل في الأولى أعلى نسبة من الأطفال في الشوارع، وهي تتوزع على ثلاثة أحياء: الحمرا، طريق الجديدة، المتحف.
الفجوة في التمويل والخسائر يتحمّلها لبنان
بالنسبة الى متطلبات التمويل، يتبيّن بحسب الأرقام الرسمية التي تعلنها المفوضية العليا للاجئين حتى تاريخ 31 كانون الأول عام 2022، وجود فجوة كبيرة بين التمويل المطلوب مقارنة بالتمويل المحصّل، ذلك أن مجمل متطلبات التمويل المخصص لتغطية حاجات اللاجئين السوريين في لبنان، قد بلغت للفترة بين 2012 ونهاية 2022، ما مجموعه: 21.7 مليار دولار (لمدة 11 سنة)، بينما نجد ان مجمل الأموال المدفوعة قد بلغت 11.2 مليار دولار (51.6 في المائة)، بحيث بلغت قيمة الفجوة المالية: 10.5 مليار دولار.. أما الجهات المانحة الرئيسية للأموال، فتشمل بحسب المفوضية 11 دولة أوروبية مع الولايات المتحدة الأميركية والجهات المانحة الخاصة…
كما يلاحظ على امتداد السنوات الـ12 الماضية، أن الفجوة المالية كانت تتزايد نتيجة النقص في التمويل المدفوع من الدول المانحة، والذي بلغ نحو 10 في المائة عام 2012، ثم 47.5 في المائة عام 2014، ليرتفع الى 52.2 في المائة عام 2018، ويبلغ 63.4 في المائة، أي ما يوازي 2 مليار و 28 مليون دولار لعام 2022 فقط.
الكلفة المالية التي يتحمّلها الاقتصاد اللبناني
لقد خلّف النزاع في سوريا آثاراً كارثية على النمو الاجتماعي والاقتصادي في لبنان، ما أدّى إلى تفاقم حدة الفقر وتدهور الأوضاع الأمنية، وفي هذا الإطار، يمكن التمييز بين نوعين من الكلفة المالية على الاقتصاد اللبناني، المباشرة وغير المباشرة، بحيث أن كلفة النزوح لغاية العام 2018 بحسب تقرير البنك الدولي، كانت تُناهز الـ18 مليار دولار أميركي وتتركّز في قطاعات الصحة والتربية والطاقة والمياه والزراعة والبيئة، لناحية النفايات الصلبة والصرف الصحي وغيرها، ما أدّى الى تدهور الوضع الصحي والتعليمي، وإقفال العديد من المدارس أبوابها، وتردّي نوعية الخدمات العامة..
وذلك دون احتساب الأكلاف غير المباشرة أمنياً وتجارياً واجتماعياً بالإضافة الى الخسائر الهائلة على القطاعات الاقتصادية الرئيسية مثل الخدمات والتجارة والسياحة، وعلى خزينة الدولة نتيجة تراجع النمو… بحيث أن الاقتصاد اللبناني يحتاج إلى توفير مزيد من الوظائف تعادل ستة أضعاف المقدار المتوفر حالياً كي يتمكن من استيعاب الأزمة.
وهذا الرقم يعادل تقريباً تقديرات الأمن العام ووزارة المال التي تحدّثت عن خسائر مترتبة على لبنان تفوق الـ 46 مليار دولار حتى العام 2018 نتيجة النزوح السوري، في المقابل، لم يتخطَّ إجمالي مساهمة المجتمع الدولي في استجابته لأزمة النزوح السوري مبلغ 12 مليار دولار في 12 عاماً. وهو ما يجعل من لبنان «الدولة المانحة» الأكبر في استجابته لأزمة النزوح السوري.
في مواجهة تداعيات الأزمة الضخمة والنقص الكبير في التمويل وتزايد التوترات والنزاعات، وبينما يتحمّل لبنان العبء الأكبر، لا زالت المفوضية تحذّر النازحين من مخاطر العودة، وهي تعلن بالمقابل، أن الهدف من كل هذا هو «الحفاظ على حماية وكرامة اللاجئين أثناء بقائهم في المنفى المؤقت في لبنان».. فهي قد أنشأت 79 مركزا مجتمعياً، مع 153 مجموعة مجتمعية موزعة في جميع انحاء لبنان، لتقديم المشورة بشأن تصميم الأنشطة والبرامج حول دعم اللاجئين…
الخلاصة
لقد ألقى المجتمع الدولي وبخاصة بلدان الاتحاد الأوروبي، بكامل أعباء أزمة النازحين السوريين على عاتق لبنان، الذي بات يعتبر اليوم بمثابة مخيّم كبير لإقامة النازحين واللاجئين والمهاجرين من البلدان المجاورة، وذلك برغم التداعيات الخطيرة الناجمة عن الاختلال الديموغرافي والخطر الذي يشكّله على تفكك البنية السكانية، بعدما بات أكثر من نصف سكانه من اللاجئين والمكتومين وطالبي اللجوء من جنسيات مختلفة، وممن يقيمون ويعملون بطرق غير شرعية، حيث تنتشر مئات المخيمات العشوائية، بينما يهاجر اللبناني للبحث عن وطن في الخارج.
لهذا كله.. يواجه النازحون السوريون حالياً في لبنان مجموعة من العوائق والتحديات المرتبطة أساساً بضعف آفاق الاندماج في المجتمع المضيف، المكوّن من الفئات المهمّشة والفقيرة في الأحياء المكتظة، والذي بات اليوم على شفير الانهيار بعد أن فَقدَ القدرة على الاستيعاب، نظرا للأزمة الاقتصادية والمالية التي تمرّ بها البلاد، وهذا «ما يُعرّض الاستقرار العام لخطر العنف والاضطرابات ويُغذّي خطاب الكراهية حيث ثبت بنتيجة الاستطلاعات أن 61% من التوترات بين المجتمع النازح والمٌضيف ناتج عن التنافس على الوظائف لا سيّما الأقل مهارة» (بحسب ورقة عمل أقرّها مجلس الوزراء لتنظيم إدارة ملف النازحين السوريين في لبنان).
وكذلك بالنسبة الى ازدياد المخاوف محلياً من إمكانية تأثّر النسيج الاجتماعي للدولة وتغيّر التوازن الطائفي بها، جراء تكاثر أعداد النازحين السوريين، في مقابل تراجع معدل الولادات لدى اللبنانيين وتنافص عددهم. كل هذه العوامل ادت الى تنامي المشاعر المعادية للاجئين، وتضييق آفاق استقرا رهم في لبنان، مما أدّى الى تزايد طلبات اللجوء لدى المفوضية، ومحاولات الهجرة غير النظامية عبر الحدود، وهجرة القوارب في البحر سعياً لطلب اللجوء والاستقرار في الخارج.
رئيس مركز السكان والتنمية
(يتبع في مقالة لاحقة: مخاطر الإقامة الطويلة للنازحين في لبنان)