محيط عون: إحياء الميثاق الوطني أمر جامع وليس ثنائية أو ثلاثية أو اتفاق غلبة
أزمة الضباط تستعيد مناخات سلبية غابرة.. والجمهورية القوية ليست لمكوّن دون آخر
الخطورة في أزمة «دورة عون» انها أعادت إنتاج المناخات السلبية لأعوام آخر الثمانينات، وفتح ملفات الجيش في الحرب
ثمة في المحيط العوني الكبير من لا يرى في الأزمة الأخيرة الناتجة من مرسوم إعطاء ضباط دورة العام 1994 (دورة عون) سنة أقدمية إنصافا لما لحق بهم إثر سقوط المنطقة الشرقية في العام 1990 وتغيّر المعادلة السياسية وما استتبعها من سفك للقيادات المسيحية وتعويم أخرى هامشية وتفريخها، سوى وجها من وجوه اللاثقة التي تتحكّم بعلاقة نبيه بري بميشال عون. هي نفسها اللاثقة التي منحها رئيس البرلمان – صوتيا – للعماد الرئيس قبل عام ونيّف، امتدادا لتاريخ من التراكمات في العلاقة بين الرجلين، يعود الى ثمانينات القرن العشرين، يوم كانا في خطين متوازيين: عون قائدا للجيش وبري قائدا لحركة «أمل»!
يرى بعض من في هذا المحيط أن «إفتعال الخلاف على إنصاف ضباط لحق بهم غبن بسبب من سياسة إقصائية مورست في حقهم، وقبله افتعال الحرص على عدم إقصاء القوات اللبنانية سياسيا وحكوميا – القوات نفسها التي عانت، الى جانب التيار الوطني الحر، أمَرَيّ الإقصاء والإلغاء السياسي والجسدي والتنكيل والتحطيم – ليس سوى إستمرارا لمحاولات تطويق العهد وتبديد وهج اكتسبه بجدارة على امتداد عامه الأول. بدأت هذه المحاولات يوم 31 تشرين الأول 2016 وتتضخّم عند كل سانحة».
شكّلت أزمة الرئيس سعد الحريري فرصة لتقريب ما فرّق الرجلين، حدّا دفع برئيس المجلس – قبل أزمة الضباط – الى القول إن «الجنرال كان جنرالا في العسكر، واليوم هو جنرال في السياسة»، تعقيبا على الآليات الرئاسية لإدارة أزمة الاستقالة والتباساتها.
التُقطتْ اللحظة، وخُيل أن العلاقة بينهما على طريق الاستواء، الى أن حلّت أزمة الضباط لتطرح كل المسألة على بساط البحث، وليعود اللواء عباس إبراهيم الى محاولة إبراز المساحات المشتركة بينهما علها تحدّ من التداعيات.
الخطير هذه المرة أن المستجدّ أعاد إنتاج المناخات السلبية لأعوام آخر الثمانينات، من مثل القول أن الأمر «يعيد فتح ملفات الجيش في الحرب، وهذا ليس وقتاً مناسباً. فدورة عام الـ1994 كانت لفئة من اللبنانيين وكان البلد منقسماً، والعودة إلى هذا الخطاب لا تفيد أحداً»! فأتى من ردّ بأن دورة العام 1995 «خُصّصت لاستيعاب الميليشيات وخلت هي الأخرى من أي توازن وطني او مذهبي»، لا بل «جرى إسقاط ضباط من دورة 1994 كرمى للآخرين»! وبين الرد والآخر، سُرّبت معلومات عن حالات تذمّر في صفوف ضباط الدورتين، كل من وجهة نظر قد تكون محقّة!
وثمة من المعنيين من يرى أن وراء الأكمة خشية شيعية – أو ربما اشتباه – من عودة الى ثنائية مارونية – سنية كثر الحديث عنها في الأعوام الفائتة، وخصوصا بدءا من العام 2008، يوم طُرحت معادلة بشارة الخوري – رياض الصلح، وكانت الغاية من إثارتها إقناع الرئيس الحريري بدعم ترشيح العماد عون الى رئاسة الجمهورية. وزادت هذه الخشية مع ترسّخ التفاهم بين الرجلين، ومن ثم عمادته السياسية إبان أزمة الحريري وملابساتها.
تعتمل الذاكرة بالكثير عن هذه الثنائية المارونية – السنية، رغم أن مختلف الأفرقاء جّربوا شتى أنواع الثنائيات والثلاثيات (ترويكا التسعينات أحد أوجهها)، كل من منطلقه ومعتقده، في ممارساتهم الحزبية والسياسية والسلطوية، قبل الطائف وبعده، وخصوصا بين العامين 1990 و2016.
بعض المحيط العوني يستغرب «هذا التطيّر في مقاربة العمل السياسي وفي تلقف كل ما يعتزم العهد الرئاسي إنجازه من مشاريع، بعضها القليل يقع في خانة ختم جراح وإنصاف من أُجبر على دفع أثمان نتيجة مرحلة ما بعد نفي العماد عون، وبعضها الغالب يسعى الى تحقيق الجمهورية القوية والعادلة، إنمائيا وإقتصاديا وسياسيا وأمنيا». لكن – والكلام لهذا المحيط – «لا يزال ثمة من يرى في كل مشروع تحقق أو يقرب من التحقق، استهدافا له أو انتقاصا من هيبته وحضوره. ليس الأمر كذلك، ولن يكون. فالجمهورية القوية والعادلة هي مظلة تحمي جميع اللبنانيين، وتحقيق إنجازات في الكهرباء والمياه والنفط والأمن ومحاربة الإرهاب، هي ملك هؤلاء جميعا، وليست في تصرّف مكوّن دون آخر. أما إحياء الميثاق الوطني فهو أمر جامع، وليس في أي حال من الأحوال ثنائية أو ثلاثية، أو اتفاق غلبة».