يطيب لي، في هذه الزاوية، ان أقول أن الرئيس الراحل المرحوم فؤاد شهاب حكم لبنان بصمته… وأبرز ميزاته كان التزامه بـ«الكتاب». وكثيراً ما كان يردّد، أمام كل مسألة أو معضلة ولا نقول أزمة، لأنّ عهده لم يشهد أزمات ذات شأن: «شو بيقول الكتاب»؟ وكان يقصد ما هي نصوص وأحكام الدستور (الكتاب) في هذه المسألة وتلك المعضلة.
أما «الصمت» فلم يعد شيمة أهل الحكم في هذا الزمن اللبناني والإقليمي والعالمي. فالدنيا تغيّرت كثيراً كثيراً. والحكي صار البضاعة الرائجة وبامتياز، لشدّة إنتشار المواقع الإلكترونية التي تستدرج البكم الى الحكي، إذا جاز هذا التعبير. ولن نعدّد تلك المواقع لكثرتها، الى كونها باتت لعبة الكبار والصغار و«المقمّطين في السرار». كما يقول المثل السائر، عفواً، الذي كان سائراً في ذلك الزمان. لذلك فإننا لا نستغرب أن تفلت الألسن من عقالها الى اللاحدود… من الرؤساء الى الوزراء الى النواب فالمدراء… وطبعاً الناس العاديون الذين وجدوا في هذا العالم الإفتراضي متنفّساً حيناً، و«فانتزيا» حيناً آخر، وإثبات الوجود على طريقة «أنا هنا»، في كل حين.
وفي تقديرنا المتواضع أنه لو ضبط أصحاب الشأن ألسنتهم عن الفَلَتان والقال والقيل والثرثرة، والنكات البائخ منها والأكثر «بياخة»، والحكي من فوق السطوح ومن تحتها (…) لما كانت أزماتنا تتفاقم، خصوصاً وأن الداخلين الى شارع الحكي ومعظمهم يستخدم «حكي الشارع» (…) ولا يدركون ماذا يقولون، ولا يعون كم أن للكلمة أبعاداً خطيرة (سلباً وإيجاباً)، وكم أن إسهامهم في هذه الفوضى العالية يروّج للشائعات، والإسفاف، والبذاءة، وسائر الموبقات.
وفي التقدير أيضاً أنّ «القوم» المعنيين بالأزمة الأخيرة، لو خففوا من الحكي، وخفضوا مستوى سقف «المراجل»، وقدّموا مصلحة الوطن العليا على ما سواها، وراعوا أقله مشاعر الناس، واتقوا الله في البلاد والعباد لما وصلوا بنا الى ما نحن فيه من أزمة نراها مصطنعة بأبعادها كافة وليس مَن أو ما يقنعنا بغير ذلك.
نستحضر أقوال الرئيس الكبير المغفور له فؤاد شهاب الذي كان مجرّداً من أي منفعة ذاتية له أو لأي من أقربائه، تجرّداً غير مسبوق، لدرجة أنه رفض التجديد على الرغم من أنّ الولاية الثانية قُدّمت اليه على طبق من ذهب، وراح النواب يتمسحون على أعتابه، ويسألون خاطره، وكاد بعضهم أن يطوّبه قديساً، ولربما طوّبه بعضهم الآخر فعلاً… أمّا هو فكان يرد عليهم بالرفض مشفوعاً بقوله الشهير: «ماذا يقول الكتاب».
ونحن اليوم نقول مع القائل: ماذا يقول الدستور؟ فلماذا لا يتم الرجوع الى الدستور، والعمل بنصوصه التي هي بمثابة الظلال التي توفر حماية لطيفة، هانئة للجميع؟!
عودوا الى الكتاب، والبلاد بألف خير!
عودوا الى الكتاب وسيكون اللبنانيون بألف خير.