تشكيل الحكومة يجب ألاّ يتحوّل الى أزمة، نقول هذا من دون أن يفوتنا أنه كان أزمة في الأيام العادية فكيف به في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ البلاد؟ ولأننا في أيام عصيبة ومرحلة دقيقة (غاية في الدقة) يجب ألاّ يتحوّل الى أزمة.
كلكم مسؤول عن تجاوز عقبة التشكيل. قد يكون الرئيس سعد الحريري فاجأ شركاءه في التسوية الرئاسية. وقد يكون وصل الى مرحلة اتخذ فيها القرار المفاجئ لأنه لم يعد أمامه خيار آخر.
وقد تكون قدرته على التحمل بلغت ذروتها فلم يعد من زيادة المستزيد …
وأيضاً ربما يكون لدى فريق حزب الله وفريق الرئيس عون أسبابهما الموجبة لبعض التريث. إلاّ أنّ هذه الاعتبارات كافة لا يمكن أن تكون مبرّراً للتأخير في استيلاد الحكومة.
ولا نقول جديداً إذا ادّعينا أنه بعد التشكيل ستعود الساحات الی ما شهدته في الأسبوعين الماضيين تحت شعار «كلّن… كلّن» . فيبدأ فتح الملف الثاني من المطالب التي تستهدف مجلس النواب من خلال المطالبة بإقرار قانون جديد للانتخابات خلال أيام معدودة، ثمّ المطالبة بإستقالة إجماعية للنواب، وفي تقديرنا أنّ هذه النقطة هي الأصعب في الحراك. بدايةً من الصعوبة بمكان أن نتصوّر النواب ينتجون بأيديهم قانوناً يلغيهم… ثم أن يبادروا إلى حلّ أنفسهم.
أضف الى ذلك أنّ البلد اليوم أمام مرحلة حاسمة، ذلك أنّ الحراك في الشارع دعا الى اعتصام أمام مقرّ رئاسة المجلس النيابي في عين التينة. الرئيس نبيه بري سارع الى مطالبة الأنصار بعدم التوجه الى المقر في قرارٍ منه للحؤول دون قيام مواجهة ستكون حتمية و… حارّة جداً!
والمعلومات متضاربة حول ما إذا كان المتظاهرون سيتراجعون عن هذا الفصل من الحراك أو إنهم سيمضون فيه الى الآخر. ويؤمل أن يتراجعوا.
إنّ الانتفاضة التي انطلقت سلمية وتواصلت كذلك حتى الآن، يأمل اللبنانيون الذين أيّدوها بكثاقة ألاّ تسير في أي اتجاه مناقض أو أن تستدرج اتجاهاً مناقضاً.
الى ذلك فإنّ عملية إزالة السواتر من الطرقات لم تتوقف أمس في مناطق معيّنة. وقد تجاوب واضعوها (عموماً) مع قوات الجيش الذي قرّر إزالتها وفتح الطرقات. وكان واضحاً أنها جاءت تعبيراً عن الاعتراض على استقالة الرئيس سعد الحريري في المطلق وبالذات وتفصيلاً هي اعتراض على أن يكون رئيس الحكومة المستقيل كبش محرقة. كما عبّر الأهالي في غير منطقة من تلك التي شهدت قطع الطرقات أمس، والتي رافقها تهديد بالعصيان المدني وبالتوجه الى نقطة الحدود اللبنانية – السورية في العبودية لقطعها ومنع العبور ذهاباً وإياباً. وفي مختلف الحالات فإنّ استقالة الرئيس الحريري تكشفّت مفاعيلها الأولى عن التفاف شعبي كبير حوله وكأنّ شعبيته كانت محتقنة في قمقم، وجاءت ساعة الخروج منه.
ولكن ذلك كله يبقى تفصيلاً على هامش كرة ثلج الأزمة التي تتضخم يومياً ويتعذر الخروج منها بسهولة بل يتعذر تقدير أبعادها الخطرة جداً والتي باتت تلامس حدود الأمن.