ربّـما هي المرّة الأولى في الصراع بين إيران المعتدية والدول الخليجية (وضمناً الاسلامية والعربية) يكون الموقف بهذا الوضوح وهذه الصراحة و… هذه المواجهة.
ليس هناك أدنى شك أنّ الكيل قد طفح وأنّ الصبر العربي ملّ منه الصبر ذاته، وأنّ ترك الأمور على غاربها يعني أنّ نظام آيات الله سيمضي في مخططاته العدوانية الشريرة ضدّ الأمتين العربية والاسلامية، وأنّه، بالتالي، آن الأوان لوقفة حاسمة، أهم ما فيها أنها شبه إجماعية، تقول للمعتدي الايراني: توقف! انك مرفوض بسياساتك ومخططاتك العدوانية، ان تدخلاتك مرفوضة، إنّ إصرارك على أن تكون العدو الرقم واحد لهذه الأمة من شأنك، ولكن من شأننا في المقابل أن نتعامل معك على قاعدة أنك هذا العدو الذي تمارس دوره العدواني بامتياز! يجب أن تتوقف وإلاّ فإنّ جميع وسائل الدفاع عن النفس وعن الشعوب، وعن المقدّسات تصبح مشروعة!
أمّا أن يستثني العراق نفسه من هذا الإجماع فهو أمرٌ معروف على خلفية أنّ هذا البلد العربي – الاسلامي العريق مغلوب على أمره ولا قدرة له في أن يتحرّر من الهيمنة الايرانية في ظل السياسات الدولية (خصوصاً الاميركية) المنافقة، المتردّدة، التي تقول ما لا تفعل، ما يشي بأنّ كل ما يقال عن التواطؤ هو صحيح، وفي محلّه، وإلاّ لما كان في مقدور هذا النظام الايراني أن يمارس الغطرسة العدوانية التي ينفذها في غير منطقة من هذا العالم العربي وبالذات في سوريا والعراق واليمن والبحرين (…).
وأمّا قطر، ذات الدور المشبوه، فليس لها أي دور في هذه القمة لأسباب يعرفها الجميع. الحكم القطري شاء أن ينأى بنفسه عن أهله وأمته.
إنّ ما توجهه القمم المنعقدة في المملكة العربية السعودية الى إيران هو رسالة واضحة مهمة في كلّ معانيها خصوصاً كونها تصدر من مكّة المكرّمة، فتتخذ بعدها الاسلامي الكبير… أوّل هذه الأبعاد أنّ المزايدة الايرانية ساقطة حكماً: فهل مَن يستطيع المزايدة على مكة المكرّمة؟ فالرسالة تصدر كما قالت «وثيقة مكة المكرّمة (…) من رحاب البيت الحرام، ومن أفياء الكعبة المشرّفة (…) من جنبات البيت العتيق، مهوى أفئدة المسلمين، حيث قبلة الاسلام والمسلمين، ومصدر إشعاعه للعالمين، برحابها الطاهرة».
وثمة ملاحظات تفرض ذاتها:
1- اللافت على هامش القمة الموقف الصارم للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي جاء كلامه على قدر كبير من الوضوح، متكلّماً باسم مصر، مصر الشقيقة الكبرى، مصر أرض الكنانة، مصر القائدة والرائدة، مصر التي لها كلمتها ووزنها ودورها وتاريخها وحاضرها… لم يساير الرئيس السيسي، لم يجامل، ضرب الطاولة بيده ليؤكد على أنه يهدّد ولا يساير، وعندما تكلّم فإنما كان ينطق بلسان مئة مليون مصري.
2- الجزائر، بعد بوتفليقة تخلت عن تحفظها المعهود وحساباتها بين الاسلاميين ومجموعة الدول العربية، فكانت مواقفها تأتي فاترة، أما هذه المرّة فكان موقفها واضحاً وثابتاً.
3- كانت قضية فلسطين «واسطة العقد» في مختلف الكلمات التي أُلقيَت، ما يعني رفضاً صريحاً للمخططات والصفقات وحسابات الدول الكبرى الساعية الى حل مزعوم على حساب هذه القضية العربية المركزية.
4- لأوّل مرة في التاريخ تلتقي ثلاث هيئات دولية كبرى في ثلاث قمم في مكان واحد وزمان واحد: القمة العربية والقمة الاسلامية والقمة الخليجية… وهذا ما لا تقدر على استضافته وتنظيمه إلاّ دولة كبيرة القدرات كالمملكة العربية السعودية التي، والحق يقال، أظهرت قدرة على التنظيم والضيافة والإمكانات الهائلة، خصوصاً أنّ القمم الثلاث تعقد في مناسبة عزيزة على قلوب المسلمين في جميع أنحاء العالم وهي الأيام العشرة الأخيرة من رمضان المبارك، وفي المدينة التي يحج إليها المسلمون بعقولهم وقلوبهم ومشاعرهم قبل أن يقصدوها بأجسادهم، عنيت بها مكة المكرمة.
5- وأود أن أعترف بأنني أعتز بالدور الذي أداه الوفد اللبناني برئاسة الرئيس سعد الحريري في القمتين العربية والإسلامية في مكة، هذا هو لبنان الحقيقي الذي عبّر عن سياسته الحقيقية، عن النأي بالنفس الحقيقي الذي لا يكون ميزانه «طابشاً» لـ»حزب الله» والفريق الايراني، فيذهب الحزب الى سوريا ليقتل شعبها تحت شعار النأي بالنفس، موقف الرئيس سعد الحريري في قمتي مكة المعني لبنان بهما هو الموقف المعبّر عن وجه لبنان الحقيقي…
ولا شك في أنّ لبنان سيقطف ثمار هذا الموقف إنعكاساً إيجابياً على سياحته واقتصاده عموماً.
عوني الكعكي