القسوة أعنف من العنف. هو قد يكون علاقة بين قويّين، أو ضعيفين، أو غنيّين، أو كبيرين، وأحياناً بين صغيرين وفقيرين. هي، بالضرورة، علاقة قويّ بضعيف، وكبير بصغير. وقد تكون علاقة بين فقيرين، إلاّ أنّ واحدهما مسكون بقوّة الخرافة التي توهمه أنّه في قوّة الأغنياء. هذه حال جماهير واسعة يمتدّ حضورها من الولايات المتّحدة إلى إيطاليا ومن هنغاريا إلى… لبنان.
العنف، لهذا السبب، قد لا يكون نذلاً. القسوة حكماً نذلة.
أمثلة القسوة في يومنا هذا كثيرة. هنا بعضها الراهن:
في الولايات المتّحدة فُصل 2342 طفلاً عن ذويهم. وُضع أطفال في أقفاص… المؤسّسات الدستوريّة رفضت «القانون» الجديد. شعبيّة دونالد ترامب، حتّى في حزبه الجمهوريّ، انخفضت بسببه. بربارا بوش كتبت ضدّه في «واشنطن بوست». أهل بيت ترامب جفلوا وميّزوا أنفسهم. تراجع الرئيس (على الأرجح، في انتظار «مفاجأة» أخرى من العيار نفسه).
إيطاليا أغلقت موانئها في وجه مئات اللاجئين الذين أُنقذوا من الموت في المتوسّط. «بنيتون» للملابس حوّلت صورهم إلى دعاية لملابسها. وزير داخليّتها وقائد حزب «العصبة» ماتيّو سالفيني يريد إجراء استفتاء للغجر كي يطرد «غير الإيطاليّين» منهم ويُبقي، «لسوء الحظّ» كما قال، على «الغجر الإيطاليّين». البعض تذكّروا أنّ استفتاء مشابهاً أجراه بنيتو موسوليني لليهود الإيطاليّين. كان ذلك صيف 1938. بعده بأشهر صدرت القوانين العِرقيّة الشهيرة في روما.
في هنغاريا، صوّت البرلمان لمصلحة قانون يقضي بسجن مَن يساعد مهاجراً أو لاجئاً على الدخول والإقامة، كما يحاصر منظّمات المجتمع المدنيّ التي تساعد المهاجرين بفرض الضرائب الباهظة. فيكتور أوربان، رئيس الحكومة، سمّاه «قانون أوقفوا سوروس»، قاصداً البليونير جورج سوروس الذي يتّهمه بدعم اللاجئين المسلمين.
في ألمانيا، وضدّاً على سياسات المستشارة أنغيلا ميركل، يضغط وزير الداخليّة، وقائد الاتّحاد المسيحيّ البافاريّ، هورست سيهوفر، لتشديد قوانين اللجوء، وإعطاء كلّ ولاية حقّ رفض اللاجئين في معزل عن السياسات الفيديراليّة.
أطفال… لاجئون… غجر… إنّهم الضعفاء بألف ولام التعريف. إنّهم إخوة الألم لسوريّين وغير سوريّين من عُزّل يُقصفون، منذ سنوات، من الجوّ والبرّ. بالصواريخ والبراميل.
لبنان، الذي يتباهى بـ «انفتاحه على العالم»، ينفتح خصوصاً على عالم القسوة هذا. بهمّة سياسيّين كجبران باسيل، أشدّ زملائه حماسة لأن يكون النسخة المحلّيّة عن ترامب وسالفيني وأوربان، يعمّ وعي وسلوك، هذه بعض تعابيره كما تبدّت في الأسابيع القليلة الماضية: سيّدتان كينيّتان تُطرحان أرضاً في أحد شوارع برج البراجنة وتنهال عليهما الصفعات والركلات من عنصر أمنيّ سانده رجل وامرأة من العابرين.
حارس في بلديّة بيروت يطرد امرأة سوريّة وطفلها من «حديقة اليسوعيّة» العامّة في الجعيتاوي.
طفل سودانيّ ترفضه دار حضانة في إحدى بلدات كسروان بسبب لونه وعدم رغبة أمّهات لبنانيّات (يعتقدن أنّهنّ بيضاوات جدّاً) في اختلاط أبنائهنّ به.
الصور الكثيرة التي تأتينا من المواضي الرهيبة لا تردعنا عن ولوج مستقبل رهيب، مستقبلٍ يرسمه تعاظم انحطاطنا عن السويّة الإنسانيّة التي نُنسَب إليها أو تُنسب إلينا.