على الرغم من غياب التنسيق المباشر حول الإستحقاق النيابي المرتقب، فإن التقاطع ما بين موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي ورئـيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون من التمديد للمجلس النيابي، يخفي في طياته وجود توجّس لدى الطرفين من المرحلة المقبلة، ومن الواقع السياسي ما بعد التمديد النيابي، وبشكل خاص بالنسبة للإستحقاق الرئاسي أولاً ومصير الإنتخابات النيابية ثانياً. ومردّ هذا التوجّس، وبحسب أوساط نيابية مسيحية، إلى شعور البطريرك الراعي بأن تعطيل الإستحقاق الرئاسي كان الخطوة التمهيدية للوصول إلى حالة الشغور في الموقع الرئيسي للدولة، على أن يشكّل هذا الأمر واقعاً يدفع باتجاه الإبـقاء على الستاتيـكو السياسي والأمني الراهنين، أي باختصار إبقاء الوضع اللبناني معلّقاً بانتظار بلورة المشهد النهائي في سوريا. وأضافت الأوساط نفسها، أن التمديد للمجلس النيابي يأتي ضمن هذا الواقع كون الوصول إلى فراغ في مجلس النواب جراء العجز عن إجراء الإنتخابات النيابية في الظروف الراهنة، سيعني حكماً امتداد الشلل إلى كل المرافق الرسمية وإدخال المؤسّسات، كما الساحة اللبنانية برمّتها، في نفق مظلم.
لكن هذا التقاطع بين بكركي والرابية لا يعني في الضرورة وحدة القراءة بالنسبة للإستحقاق الرئاسي لجهة الإتهامات بالتعطيل التي أطلقها مؤخراً البطريرك الراعي خلال جولاته في أوستراليا، والتي رفع خلالها السقف عالياً في حملاته القاسية على المسؤولين الذين اتّهمهم بتعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وصولاً إلى تشبيه عملية التعطيل بعملية قطع الرؤوس التي يمارسها الإرهابيون. أما بالنسبة لما نبّه منه البطريرك الراعي، وهو إسقاط النظام اللبناني بمجمله، فهي مسألة بالغة الخطورة على حدّ قول الأوساط النيابية ذاتها، التي اعتبرت أن العقدة الكبرى والتي قد تؤدّي إلى سقوط النظام هي تعطيل سير عمل هذا النظام وعدم القدرة على انتخاب رئيس للجمهورية، وليس قضية التمديد لمجلس النواب الذي يبدو نتيجة طبيعية لتفادي امتداد الفراغ إلى كل أجزاء النظام ومؤسّساته، مع العلم أن البطريرك الراعي لا يوافق أيضاً على مبدأ التمديد للمجلس أيضاً، وإن كان سبق واعتبره في مواقف سابقة ضروري.
وأضافت الأوساط النيابية المسيحية نفسها، أنه قد بات واضحاً أن التمديد الذي بات أمراً واقعاً لن يتأثّر بالحملات الراهنة، والتي لن تؤدي إلى عرقلة هذا الإجراء، خاصة وأن تعذّر إجراء الإنتخابات النيابية ليس مسؤولية أي طرف من الأطراف، لا سيما وأن كل القوى كانت عبّرت عن رفضها المبدئي لها، ولكنها تقرّ ضمناً بأن إقراره ضروري للعبور إلى مرحلة الإعداد للإنتخابات الرئاسية، على أن يصار بعد إجراء الإنتخابات إلى التحضير للإنتخابات النيابية. وإذا كانت هذه المعطيات تعتبر بديهية ومبدئية لدى مجمل الكتل النيابية، فإن ذلك لم يحل دون تعبير الأوساط النيابية عينها عن توقّعاتها بامتداد مرحلة الشغور الرئاسي، كون التمديد للمجلس النيابي، وبحسب مشروع التمديد المطروح، لم يربط بالإستحقاق الرئاسي، بل بالوضع الأمني الحالي، وبالتالي فإن استمرار ارتباط هذا الوضع بالصراعات الدائرة في سوريا والعراق.
وفي السياق ذاته، لاحظت الأوساط النيابية المسيحية نفسها، أن التوافق على التمديد للمجلس النيابي يتبخّر لدى طرح الإستحقاق الرئاسي، حيث يعتبر العديد من القـيادات، ومن بينها العماد ميشال عون، أن ظروف انتخابات رئاسة الجمهورية ليست متوافرة في الوقت الحالي. وأكدت أن هذا التباين في مقاربة ملفي التمديد أو الإنتخابات النيابية والإستحقاق الإنتخابي الرئاسي، يشكّلان الدافع الرئيسي وراء حملة بكركي القاسية على كل المسؤولين.