Site icon IMLebanon

صرخة «الجياع».. و«العهد» يستنكِر ويُهدّد!

 

تحوّلت شوارع بيروت يوم الأحد الواقع فيه 29 أيلول 2019 إلى ساحة تظاهرات واحتجاجات جسّدَت حالة السخط والغضب في صفوف اللبنانيين، ضد سياسة السلطة الاقتصادية والتنمويّة والاجتماعيّة التي أوصلتهُم إلى حافّة الإفلاس والجوع والعوَز، ولفّت حبال غلاء المعيشة مشانق حول أعناقهم. وتنقّلت الاحتجاجات الشعبيّة العفويّة المرشحة للاستمراربين مختلف مناطق العاصمة وسرعان ما انتقلت إلى مناطق أخرى.

 

رفض شعبي لسياسة التجويع والتفقير

 

بعد أنْ عجزت السلطة الحاكمة عن وقف الانحدار المخيف والمتسارع في الاقتصاد الوطني وماليّته العامة جرّاء السياسات الخاطئة والمعالجات الاقتصادية المتهوّرة وانعدام الخطط الاستراتيجية، وعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة بشكلٍ فوريّ وسريع من قبل الجهات الرسمية المعنية، انفجرت الأزمة الاقتصادية والمعيشيّة في الشارع حيث جمعَت حركات الاحتجاج الناس تحت مظلّة المعاناة والفقر والجوع.

 

وقد أتت الاحتجاجات الشعبيّة بمثابة صرخة مدويّة الى المعنيّين، ردّد خلالها المتظاهرون هتافات ضدّ مسؤولين في الدّولة، وعبّرت الصرخة عن عُمق معاناة شرائح مُختلفة من اللبنانيين من فقرائه وميسوريه العاطلين عن العمل أو الذين فقدوا أعمالهم. وقد بدأ التحرّك الشّعبي خجولاً في البداية ثم سرعان ما بدأت مفاعيله بالانتشار في مختلف مناطق العاصمة وما تبعها من قطع للطرقات وشرايين التواصل إلى وسط بيروت بالإطارات المشتعلة ومستوعبات النفايات والفواصل الاسمنتية. كذلك قطع محتجون الشوارع الرئيسية في مناطق مختلفة من لبنان، بما فيها المتن وكسروان والبقاع.

 

صرخة الناس في وجه سُّلطة صمّاء، و«العهد» يستنكر

 

وبدل أنْ تلتفت الطبقة السياسية إلى صرخة النّاس وأنينهم تحت وطأة الفقر والجوع، غاب المسؤولون عن السمع، واستهجنوا ما حصَل، وكأنّ لا شأن لهم في تقرير سياسات لبنان الاقتصادية والماليّة والاستثمارية والإنمائية الفاشلة.

 

أمّا «العهد القوي» المعني مُباشرةً بالاحتجاجات باعتبار الحكومة الحاليّة هي حكومته الأولى، فراحت دوائره تسوّق الاتهامات تارة بكلام عن «طابور خامس» أو متطفلين أو مشاغبين أو مندسين، وتارة عبر تصوير ما يجري بأنه استهداف للعهد وللتيار المرتبط به.

 

وقد تحدّثت أوساط مُقرّبة من فخامة رئيس الجمهورية عن غُرف عمليات و»مطابخ إشاعات» تستهدف العهد، تقف وراء افتعال أزمات متحرّكة في الشارع تغذّيها اجندات سياسية، وأن بعض التحرّكات الاحتجاجية لم تكن تلقائية وبريئة.

 

وقد سألت مصادر مقرّبة من فخامته عبر جريدة «اللواء» عن سبب التصويب على العهد وسيّده، باعتبار ان رئيس الجمهوريّة هو صاحب الحلول الكبرى، وأنّه تصرّف بمسؤولية في مواقف محدّدة وقدّم مقترحات في الورقة الاقتصادية وتعاطى مع القضايا ضمن المصلحة الوطنية ودعم خطة الكهرباء وحمل شعار مكافحة الفساد. وقد أدلى وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي بتصريح توعُّدي قال فيه: «الرئاسة الأولى مُستهدفة، والدولة لن تسمح لأحد بالاستمرار بذلك، وسيتمّ اللجوء الى تحرير القضاء لإطلاقه تجاه ملاحقة كلّ المتطاولين والمنتقدين والمعترضين».

 

قراءة موضوعية للحراك الشعبي

 

إنّ القراءة الموضوعية والواقعية للحراك الشعبي تستلزم التأكيد على وصفه بأنه يحمل طابعاً مطلبياً، ويمكن الحديث عن جملة ملاحظات حوله، منها:

 

إن الحراك الشعبي الغاضب برهن أن اللبناني يبقى الى جانب حزبه السياسيّ أو زعيم طائفته، لكنّه مستعّد للانقلاب عليه عندما يتعلّق الأمر بالقوت اليومي ولقمة العيش. فالإنسان عبر التاريخ كان ينقّض على آلهته عندما يجوع ويأكلها وهي من صنع يده.

 

إن الحراك اتّسم بهلامية التنظيم والقيادة، خصوصاً أنّ الدعوات له أُطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وقد تشكّلت على أثر ذلك تحرّكات عفوية وغير منظّمة في مناطق بيروت ومحاورها، وكذلك في مختلف المناطق، ممّا شتت قوّة اندفاعة الغضب وخفت الزخم المطلوب في الشارع.

 

تشعّبت المطالب الشعبيّة، ولم تكن موحّدة، فالبعض كانت له مطالب شخصيّة، والبعض ندّد بالطبقة السياسية الحاكمة وطالب بمكافحة الفساد واتخاذ خطوات إصلاحية، والبعض الآخر طالب بإسقاط الحكومة وتشكيل حكومة كفاءات وإلغاء نظام المحاصصة في البلاد، وآخرون طالبوا بإسقاط النظام اللبناني برمّته وتسلُّم الجيش زمام الحُكم خلال مرحلة انتقاليّة.

 

خلاصة الأمر أنّه لا سبيل لإشعال شرارة ثورة شعبية عارمة سوى بتنسيق التحرّكات والتظاهرات اللاحقة بين أطرافها في مختلف المناطق تُنادي بمطالب شعبيّة واضحة. وربّما آن الأوان لإعلان حالة عصيانٍ مدني يتوقّف الشعب اللبناني خلالها عن دفعِ الضرائب والرسوم وكلفة الخدمات التي تُثقل كاهله في غياب خدمات فعليّة تقدّمها الدولة في المُقابل.