Site icon IMLebanon

لعنة الفوضى في الجزائر

 

لماذا الاصرار على أن يسقط مثلما تسقط الثمرة العفنة؟

 

انه العشق النرجسي للسلطة. اين هو نلسون مانديلا العربي الذي يقول في السلطة «لكأنني أراقص الجمر»؟

 

آسيا جبار، الجزائرية التي كانت عضواً في الأكاديمية الفرنسية، دعت الى وقف اقامة الصلاة من أجل «تاريخ الموتى»، و«ايديولوجيا الموتى». لا بد من الانفكاك الفوري عن ذلك الارث الرث، والا «انتظروا غيوم الدم»، و«انتظروا سنابل الدم»، و«انتظروا النساء اللواتي يلدن المجانين بأردية الدم».

 

الجزائرالى أين؟ هل هي لعنة الفوضى؟ هكذا يتساءلون في باريس. رائعة صرخات الشوارع. لا أقبية بعد اليوم، لا قبور بعد اليوم، لا ثلاجات بعد اليوم. ها هي عظام الزمن تستفيق ثانية. ولكن، في مثل هذه المجتمعات، كتب للجثث أن تقاتل الجثث…

 

على مدى عشرين عاماً، عبد العزيز بو تفليقة، الديبلوماسي المحنك، بالاتصالات وبالعلاقات، الأقليمية والدولية، كان يلعب بين الجنرالات، وبين الجدران. أقرب ما يكون الى النظام الحديدي.

 

شاهدتم رئيس الأركان الجزائري أحمد قايد صالح وهو يتلو بيانات المؤسسة العسكرية. وجه أشبه ما يكون بالأرض الوعرة. عينان مشدودتان الى الأوراق التي أمامه. لم ينظر قط الى الكاميرا. يفترض ألاّ نقرأ ما في عينيه. ما في وراء عينيه !

 

هكذا في الأنظمة التوتاليتارية. الغموض ضرورة فلسفية وضرورة استراتيجية. قال لي مراسل فرنسي أمضى ثلاثة أسابيع في الجزائر، بحثاً عن الأشباح التي تحكم هذا البلد،

 

«لم أر سوى وجوه من الصفيح. حتى المرايا كانت من الصفيح».

 

امكانات اقتصادية هائلة. الجزائر كانت بمثابة الحديقة الخلفية للاليزيه. لا حدود لحقول العنب المخصصة للنبيذ الفاخر بـ «نكهة الشمس»، كما اعلانات تلك الحقبة. رحلت فرنسا. ماتت الدوالي. أشياء كثيرة ماتت.

 

خلال زيارة للجزائر، وأنا على شرفة الفندق، حيث لا يزال السرير الذي كان ينام عليه شارل ديغول، رأيت قوافل من الناس الذين يحملون، على أكفهم، كرتونات البيض. نزلت الى الشارع وسألت أحدهم ما اذا كان ذلك اليوم «مهرجان البيض». أجاب ضاحكاً، وهذه من المرات القليلة التي تشاهد فيها جزائرياً يضحك «البيض انقطع منذ أكثر من شهرين. اليوم عاد الى الرواق»، أي الى السوبر ماركت.

 

بلد بذلك الثراء النفطي، والزراعي، ينقطع فيه البيض. الجزائري بالمعطف الأنيق، أستاذ للكيمياء في جامعة الجزائر، وقد درس في فرنسا، اضاف «انهم يعاملوننا كالدجاج. المشكلة اننا لا نبيض».

 

ما يثير الهلع في الجزائر تلك القابلية العاصفة للعنف. مذيع الأخبار في التلفزيون كمن ينهال عليك بالعصا. هذا لا يعني أنك لن تجد في هذا البلد الذي يضج بالأدمغة الكثيرين الكثيرين من أصحاب القلوب الطيبة.

 

رجل الأمن ذاك الذي في بهو الفندق. فرش سجادة الصلاة بين اقدامنا لكي يتنصت على ما نتحدث فيه. حين نهرته، حضر من هو أعلى منه واعتذر. تذكروا أن هذه عدوى انتقلت مع «تغريبة بني هلال» من المشرق الى المغرب. العيون الزجاجية ترصد حتى خطواتنا الضائعة.

 

لا صناعة تذكر. النفط الذي وصفه هنري بيرانجيه، في مؤتمر النفط عام 1918، بـ«دم الأرض»، هو دم الدولة في الجزائر. علاقات ملتبسة مع أكثر الجيران العرب والأفارقة. في الرباط يقولون «جيش التحرير الجزائري كان يرابط على أرضنا، وحين نالوا الاستقلال أقفلوا الحدود».

 

سفير مغربي في بيروت قال لي «نعلم أن الجزائريين يؤازرون البوليساريو من اجل أن يكون لهم ثغر على الاطلسي. عرضنا عليهم طريقاً ومرفأ. رفضوا. يريدون دولة هجينة، وتابعة، في الصحراء».

 

الجزائريون لهم رأيهم المختلف «نحن مع القضية العادلة لشعب الصحراء. ليست لنا اي غايات جيوسياسية على الاطلاق».

 

لا أحد يمكنه أن يدرك لماذا يصر رجل على كرسي كهربائي، وبالكاد يستطيع أن ينطق أو أن يفكر، على انتخابه لـ «عهدة خامسة». اسألوا الأشباح…

 

نسأل صديقاً جزائرياً ما اذا كان من الممكن أن يتسسلل الاسلاميون عبر التظاهرات، مثلما فعل «الاخوان المسلمون» في مصر، وينقضّوا على السلطة.

 

رأى أن حرب السنوات العشر التي اندلعت عام 1992، غداة الغاء الانتخابات التشريعية، وحيث فازت الجبهة الاسلامية للانقاذ (عباس مدني وعلي بلحاج) بـ188 مقعداً من أصل 231، أدت الى تفتيت الجماعات الاسلامية، حتى أن الذين اختبأوا تحت الأرض باتوا أقرب ما يكونون الى الموتى. حادثة أهل الكهف لن تتكرر.

 

كتّاب جزائريون كثيرون ابدعوا باللغة الفرنسية (آسيا جبار, رشيد بو جيدرة، مولود فرعون، كاتب ياسين، مالك حداد، محمد ديب…). في العربية أحلام مستغانمي (قارئتي العزيزة)، وواسيني الأعرج…

 

كتّاب من الدرجة الأولى. لاحظنا بين المتظاهرين، والمتظاهرات، من لا يزال يخلط بين العربية والفرنسية. هذا الخلط كان في اطار خطة وضعتها باريس لفرنسة المجتمع الجزائري. التعريب كان فعالاً الى حد ما. مضحك أحياناً. «صالون ماري كلير» أصبح «ممشطة مريم المضوّية».

 

الجزائر أمام مفترق خطير. انشقاقات دراماتيكية داخل أطراف الائتلاف. كثيرون يحاولون الاستئثار باللحظة الجماهيرية، دون ان تكون هناك قيادة مركّزة، ومركزية، للأمواج البشرية.

 

لا مجال للتغاضي عن الأصابع الخارجية. الجزائر دولة محورية. اي دخول في الفوضى ستكون له تداعياته الكارثية في منطقة لم تتمكن من احتواء الحالة الليبية. الحالة الجزائرية أكثر تعقيداً بكثير.

 

هل يكون الجيش، وعلى غرار مصر هو الحل؟ المتظاهرون يقولون «الجيش المشكلة، كيف يكون الحل؟». السلطة دعت الى ندوة للحوار. أي حوار؟ السلطة سقطت عملياً. الخشية ان تذهب الجزائر الى مكان آخر. الى دوامة أخرى.