البلد ليس مفلسا، يقول الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري. ونحن في حاجة الى مثل هذا التطمين. لكن السؤال البسيط هو: هل يجب ان يصل البلد الى الافلاس لكي نعترف اننا في أزمة اقتصادية ومالية واجتماعية خانقة؟ أليس في الأزمات درجات قبل الوصول الى الافلاس؟ هل يكفي ان نرى خلف الاشاعات حربا على الاقتصاد أم ان علينا تشخيص التقصير والخلل والأخطاء والمصالح الفئوية في ادارة السياسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية؟ متى نجحت حرب اشاعات ضد اقتصاد قوي؟ ما هي الترجمة العملية لما سمّته وثيقة قوى الانتاج بديبلوماسية واقعنا الاقتصادي الآخذ في التداعي الى حدّ فقدان التحكّم بآلية تأمين أبسط الحقوق المعيشية؟ وهل هي أقلّ من أزمة على حافة الهاوية مرشحة للنزول فيها؟
لا شيء يوحي ان صرخة الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام ونقابات المهن الحرة ونقابات قطاع التعليم والادارة العامة ستكون أقل من صوت صارخ في برّية الصراع السياسي. فلا تأليف الحكومة صار على جدول الأعمال بالمعنى الفعلي على الرغم من دخول التكليف شهره الخامس. ولا ما يؤخّر التأليف هو الوقت الذي يأخذه التفاهم على حكومة جامعة ونوعية وذات صدقية تطالب بها قوى الانتاج بل الوقت المفتوح للصراع على الحصص في السلطة والصراع على موقع لبنان الاقليمي.
ذلك ان ما تدور عليه السجالات على المسرح والحوارات في الكواليس هو لعبة التحكم بالسلطة، ولو تحت عنوان الحكم الرشيد.
وهو البحث في الأوزان والأحجام من دون التفات الى مخاطر دخول البلد في حال انعدام الوزن والخلل في التوازن، لا الحوار للتفاهم على أفضل برنامج اقتصادي. فضلا عما نسمعه أحيانا من دعوات تتكرر الى فصل الاقتصاد عن السياسة، خلافا لمنطق الأمور في العالم. فالارتباط كامل بين الاقتصاد والسياسة، حيث لا اقتصاد ينمو من دون سياسة تنمية، ولا سياسة ناجحة في اقتصاد مأزوم. ومن يهرب من قراءة ماركس يستطيع أن يقرأ توماس بيكيتي وجوزف ستغليز، ولا مجال أمامه للهرب من الواقع.
لكن من عجائب لبنان ان السياسة تبدو أحيانا في معزل عن الاقتصاد وهموم الناس، مع ان السياسيين عموما، مع استثناءات محدودة، في قلب الاقتصاد والمال، حيث التداخل بين رجال الأعمال والمال والسياسة. ومن غرائبه ان حقيقة كون ٣٠% من اللبنانيين تحت خط الفقر تمرّ كأنها خبر عادي بما يؤكد ان نسبة العائشين تحت خط الفقر السياسي أكبر بكثير. ألم تتبخّر في الهواء خطابات الدعوات الجماعية الى الاسراع بتشكيل الحكومة، وسط كل الكوارث على الأرض؟