IMLebanon

لعنة السلاح المتفّلت… تُسقط «وردة بعلبك»

يستمر مسلسل السلاح المتفلت الذي يجول من دون أي رادع في حمى قوى الأمر الواقع وسلاحها غير الشرعي، في حصد مزيدٍ من أرواح أبرياء في عمر الورود. وعلى ما يبدو فإن هذا السلاح وأربابه ومن يؤمن الحماية له لم يشبعوا بعد من كم الضحايا الذين سقطوا نتيجته، من بعلبك إلى زحلة مروراً بقب الياس والعاصمة بيروت وصولاً إلى منطقتي الشمال والجنوب. هذا السلاح المتفلت نتيجة التسيب الأمني والاستهتار بأرواح الناس، بات واقعاً أليماً لم يعد أهالي مدينة الشمس بعلبك، قادرين على العيش معه، مثلهم مثل باقي المناطق اللبنانية التي يتنقل فيها هذا السلاح في حمى بعض الأحزاب من دون أي ضوابط حاصداً المزيد من الأرواح. فالأمن المفقود في المدينة، بات حقيقة تستند إلى كمّ هائل من الوقائع المرعبة، قتلاً وخطفاً وترويعاً واعتداءات على المواطنين وأملاكهم عبر السرقات وغيرها.

فلم يمضِ شهر بعد على جريمة مقتل الشاب خليل عمر الصلح ابن الـ 28 ربيعاً في المدينة بسبب هذا السلاح، وأكثر من شهر على جريمتي قب الياس التي وقع ضحيتها طلال العموري وخليل القطان، وزحلة التي دفعت ثمنها «عروس بدنايل» سارة سليمان، حتى نامت أول من أمس مدينة بعلبك على فاجعة جديدة وقعت ضحيتها «وردة بعلبك» الطفلة لميس خالد نقوش (8 سنوات) نتيجة الرصاص الطائش.

وفي التفاصيل، وبحسب ما روت مصادر بعلبكية لـ «المستقبل» أمس، إن إشكالاً وقع قرب منزل آل نقوش قبل الإفطار بلحظات، حين كان الشاب محمد قاسم وهبة «يشفط» بسيارته في الشارع، وتحدث والد الضحية معه قبل أيام ولكن من دون جدوى، وبالأمس تطور الخلاف وحصل تلاسن بين الطرفين فسارع المدعو وهبة الى سحب سلاحه وإطلاق النار في محاولة لتخويف الوالد ما أدى إلى إصابة الطفلة لميس في رقبتها ورأسها ووفاتها على الفور قبل نقلها إلى المستشفى «الريان» في المدينة.

وأوضحت المصادر أن «هذا الشاب وشقيقه هما من أصحاب السوابق في المنطقة، وهناك الكثير من مذكرات التوقيف بحقه (فرض خوات، محاولات قتل، إطلاق نار، تجارة ممنوعات وغيرها)، فقبل أسبوعين حصل إشكال بينهما وبين آل دندش تطور إلى إطلاق قذائف ورصاص كثيف، ما أدى إلى إغلاق المدينة»، مشيرة إلى أن خال الشاب هو رئيس اتحاد نقابات النقل البري الحاج بسام طليس المدعوم من قبل حركة «أمل»، وعمه يدعى أبو طلال وهبة وهو قيادي كبير في «حزب الله».

هذه الجريمة أثارت حالة من التوتر في المدينة والبلدات المجاورة، بحيث أقدم عدد من الشبان ليل أول من أمس على قطع الطريق عند ساحة ناصر في بعلبك، ورددوا شعارات تُطالب بالاقتصاص من الجاني ووضع حد للفلتان الأمني في بعلبك ومنطقتها. وامتد التجمع من ساحة ناصر باتجاه ساحة مستشفى الططري، مما استدعى تدخل الجيش وتسيير دورياته في حي الشراونة باتجاه محلة الشعب والأحياء المجاورة، تخفيفاً للتوتر.

وشددت المصادر على أن «هؤلاء الأشخاص يتنقلون بشكل علني للأسف ببطاقات ورخص سلاح قانونية ممنوحة من قبل وزارة الدفاع، ولكن هذه البطاقات يؤمنها لهم «حزب الله» و»حركة أمل» وهم يحظون بالتغطية منهما، في وقت يخرج فيه مسؤولو الحزب والحركة على المنابر ليقولوا إنهم لا يغطون أحداً، فمن أين أتى هؤلاء بهذه الرخص والبطاقات وهم محسوبون عليهم وقد وضعوهم في المنطقة والمدينة من أجل أجندة معينة؟»، موضحة أن «آل نقوش هم عائلة صغيرة في المدينة، وإذا كانت الدولة لا تستطيع حمايتهم فإلى من يلجأون كي يحميهم من هذا السلاح المتفلت ومن هؤلاء «الزعران»، الذين عادوا ونشطوا في المدينة بعد الصرخة التي أطلقتها بلدية بعلبك والأهالي خلال التحرك الأخير، إذ حصلت جريمة مقتل الشاب من آل الصلح برصاص شباب من آل زعيتر، وبعدها أيضاً حصل إشكال بين آل وهبة وآل دندش وقبلها بأربعة أيام حصل إشكال بين آل دندش ونصرالله من ناحية وآل جعفر وآل رعد من ناحية أخرى، فإلى أين نحن ذاهبون؟».

وأكدت المصادر أن «لا شيء يحصل عن عبث، فصحيح هناك ضحايا سقطوا، لكن ثمة أطرافاً تحرك هؤلاء وتغطيهم وتمرر عبرهم رسائل عديدة»، محمّلة مسؤولية هذا الفلتان الأمني الحاصل في المدينة لـ «ثنائي حزب الله وحركة أمل، إضافة إلى تلكؤ القوى الأمنية عن القيام بدورها كما يجب والضرب بيد من حديد». ودعت وزارتي الدفاع والداخلية الى «وقف منح هذه الرخص في منطقة البقاع الشمالي»، والقوى الأمنية الى «الضرب بيد من حديد وعدم الإتيان بعسكريين من أبناء المنطقة كي يقوموا بعملهم هناك لأنهم من خلال هذه الأعمال يغطون بعض الأشخاص ويغضون الطرف عنهم وكذلك يحصلون على رشوة مقابل ذلك».

في هذا السياق، اعتبر رئيس بلدية بعلبك حسين اللقيس، في حديث إلى «المستقبل»، أن «هذه الجريمة مُستنكرة بكل المعايير والمقاييس»، مشيراً إلى أن «طفلة بعمر الورود ذهبت ضحية رعونة وقلة أخلاق وقلة شرف وبسبب خلاف تافه على التشفيط والسرعة». ولفت إلى أن «استمرار هذا المسلسل سببه عدم ردع الدولة لهذه الظواهر»، مشدداً على أنه «في حال استمرت الدولة بالتساهل تجاه هذه الظاهرة فإننا سنراها تحصل أمامنا يومياً وتنتقل من بعلبك إلى باقي المناطق من دون أي رادع أو خوف».

ودعا اللقيس المعنين وعلى رأسهم رؤساء الجمهورية العماد ميشال عون ومجلس النواب نبيه بري ومجلس الوزراء سعد الحريري وقائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان وكل الأجهزة الأمنية والقضائية إلى «وضع حد لهذه الظاهرة وتوقيف الفاعلين لأي جهة انتموا بأقصى سرعة ولتتحمل الدولة مسؤوليتها في هذا السياق»، مطالباً القوى السياسية بـ «رفع الغطاء عن المرتكب كائناً من كان، مع العلم أنه سبق وناشدناهم في وقت سابق وأطلقنا صرخة مع كل أهالي المدينة إلا أن أحداً لم يستجب لندائنا». وحض الدولة على «عدم التسامح مع هؤلاء وكذلك الأمر بالنسبة الى تجار المخدرات لأن الأمر لم يعد يُطاق، والأهالي يدعونها إلى أخذ دورها في منطقة بعلبك الهرمل والضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه العبث بأمن المنطقة والاعتداء على أهلها».

وعلى الرغم من الدعوات والصرخات المتكررة التي يطلقها أهالي المدينة بعد كل حادثة، وبعد المطالبات العديدة بوضع حد لهذا السلاح المتفلت والمستشري بيد الناس والمحمي من قبل أصحاب السلاح غير الشرعي وإعلان بعض المدن منزوعة وخالية من السلاح، إلا أن أحداً لم يتجاوب مع كل هذه النداءات، فإلى متى سيستمر «سلاح الموت» في حصد مزيد من الأرواح في عمر الورود وريعان الشباب؟!.