ما بعد إقرار الموازنة ليس كما قبله، ووصف المشهد الاقتصادي يُختصر بعاملين: ازدياد كلفة المعيشة في مقابل تدني القدرة الشرائية، والنتيجة البلاد تتجّه نحو مزيد من الفقر.
بعيداً من الارقام، سيشعر المواطن بتداعيات الموازنة من جانبين: الاول الارتفاعات التي ستنتج من رفع الدولار الجمركي إلى 15%، والثانية مضاعفة رواتب موظفي القطاع العام والعسكريين والمتقاعدين والمتعاقدين الذي، ورغم كونه لا يحاكي متطلبات العيش والغلاء، الّا انّه اعطى اوكسيجين لنحو 600 الف لبناني على الاقل.
الّا انّ ما أعطته الدولة بيد ستأخذه باليد الاخرى مع التضخم الآتي والارتفاعات المتوقعة في الاسعار. صحيح انّ الدولار الجمركي لم يدخل رسمياً بعد قيد التنفيذ، الّا انّه وبعدما بات على قاب قوسين أو أدنى، اسئلة كثيرة يطرحها المواطنون والتجار اليوم؟ ما متوسط الزيادات المتوقعة على الاسعار؟ اي سلع سيشملها الدولار الجمركي وأيها معفاة؟ متى يدخل حيز التنفيذ؟ هل سيتمّ اعتماده فور صدوره أم سيلحظ البضائع المشحونة قبل اصداره، والتي هي راهناً لا تزال في البحر؟
بداية من السلع الغذائية، وهي أكثر ما يستهلكه المواطن بشكل يومي، وما مدى تأثرها بالدولارالجمركي. ففي هذا الاطار، يقول نقيب اصحاب السوبرماركت نبيل فهد لـ«الجمهورية»، انّ اسعار السلع الغذائية تتغيّر بشكل دائم بسبب ارتفاع الكلفة التشغيلية. إذ حتى لو انّ بعض السلع لن تتأثر بالدولار الجمركي، الّا انّ هناك عوامل عدة تساهم في ارتفاعها.
وقال: «انّ أكثر السلع الغذائية تأثراً اليوم بارتفاع الدولار الجمركي هي الخضار المعلّبة المستوردة من الخارج، مثل الذرة والفطر، بحيث ستزيد اسعارها 35%، النبيذ الاجنبي الذي سيزيد جمركه 70%، اما بقية السلع مثل الحبوب والارز والسكر فليس من المفروض ان تتغيّر اسعارها متأثرة بالدولار الجمركي، انما على سبيل المثال، السكر تضاعف سعر طنه في اوروبا، فارتفع من 700 دولار للطن الى 1400 دولار، ما يعني انّ سعره يتجّه للارتفاع لأسباب عالمية.
كذلك الامر بالنسبة إلى الحبوب التي هي بالأساس معفية من الجمرك ومن الضريبة على القيمة المضافة، انما ستتأثر بارتفاع اسعارها عالمياً او ارتفاع كلفتها التشغيلية المرتبطة خصوصاً بأسعار المحروقات». وأكّد انّ زيادة اسعار السلع في الفترة المقبلة ستكون ناتجة في الدرجة الاولى من التضخم العالمي الذي سيكون أكبر بكثير مما هو قائم حالياً، متأثراً خصوصاً بارتفاع اسعار الغاز والنفط عالمياً.
وأكّد فهد انّ تأثير الدولار الجمركي على بعض اسعار السلع الغذائية غير المعفاة منه لم تُعتمد اليوم، الّا انّه سيبدأ بالظهور تدريجياً في المرحلة المقبلة، وهي ستظهر خصوصاً على السلع المعمّرة وقطع الغيار والادوات الكهربائية والمفروشات… وأوضح انّ التغييرات او الزيادات في الاسعار الاخيرة نتجت من ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء إلى 39 الفاً.
وعمّا اذا كان هناك تخوف من ان ينعكس الدولار الجمركي ركوداً وتراجعاً في الحركة، قال: «انّ حركة الاستهلاك اساساً ضعيفة جداً، والمواطنون بالكاد يشترون حاجاتهم، والدولار الجمركي والتضخم العالمي سيقلصان الحركة، علماً انّ عدداً كبيراً من السلع الغذائية معفاة من الجمارك». وأبدى فهد خشيته من ان يؤدي رفع الدولار الجمركي 15% إلى تنشيط حركة التهريب التي سيمتد تأثيرها ليس فقط على اسعار السلع انما ايضاً على النوعية وسلامة الغذاء.
لم يصدر بعد
من جهته، يقول عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي عدنان رمال لـ«الجمهورية»، انّ التجار لم يغيّروا اسعار السلع بعد، لأنّ لا قرار مبرماً حتى الآن باعتماد الدولار الجمركي. وأوضح انّ الموازنة قدّرت مداخيل الدولة على اساس ان يكون الدولار الجمركي 15 الفاً، ولكن الدولار الجمركي لم يصدر في متن الموازنة، وهو يحتاج لأن يصدر بمرسوم مستقل، على ان يصبح نافذاً متى نُشر في الجريدة الرسمية. لكن هل سيتمّ اعتماده فور صدوره ام ستتمّ ملاحظة البضاعة المشحونة قبل صدور القانون؟
ورداً على سؤال، اوضح رمال انّ متوسط الزيادة المتوقعة على السلع المستوردة سيتراوح ما بين 20 إلى 25%، على انّ نسبة 7% هي الزيادة الأدنى و35% الزيادة الاقصى. وعزا هذه الزيادة الكبيرة لأنّ الدولار الجمركي يُحتسب بعد احتساب كلفة الشحن وبوليصة التأمين وارضية المرفأ، وبعد احتسابه يُزاد على المبلغ الكلي الضريبة على القيمة المضافة 11%، مرجحاً ان لا تزيد الاسعار في السوق حالياً، ليس قبل ان تبدأ سلع جديدة بالدخول إلى لبنان لمعرفة كيفية التسعير والتكاليف التي ستترتب عنه.
وتخوف رمال من 3 عناصر سترافق الدولار الجمركي وهي:
– ارتفاع نسبة التضخم الذي سيؤدي إلى انكماش وركود سينعكسان تراجعاً في حجم الاستيراد، وبالتالي انّ الدولة لن تجبي الايرادات المتوقعة، ومع الغلاء ستتراجع قدرة المواطن الشرائية الذي سيكتفي بشراء السلع الغذائية الاساسية، في حين انّ بعض التجار وبسبب ارتفاع الكلفة سيتوقفون عن الاستيراد.
– البضاعة التي تمّ استيرادها خلال الاشهر الثمانية الاولى من العام 2022 كان يفترض ان تغطي حاجة السوق 6 اشهر إلى الامام، اضافة إلى انّ التجار استوردوا بكميات كبيرة، كخطوة استباقية قبل إقرار الدولار الجمركي. وبالتالي انّ المخزون لدى التجار سيكفي اقله 6 اشهر إلى الامام ولن يستوردوا قبل انقضاء هذه الفترة، ما سينعكس تراجعاً في ايرادات الدولة التي ستكون اقل بكثير من تلك المقدّرة.
– ضرب القدرة الشرائية للمواطن بسبب الغلاء الفاحش، وبالتالي لن يقوى المواطن على الصرف كما في السابق، وفي هذه الخطوة ضرب للمداخيل وللزيادة التي أُعطيت للقطاع العام.
والاخطر انّه متى اجتمعت كل هذه العناصر سيقوى سوق التهريب على حساب الاقتصاد الشرعي.