Site icon IMLebanon

إشترت هاتفاً جديداً من “الداون تاون” فأكلت “الضرب”

 

 

“السيستام” معطّل والموظّفون يُضربون والمعاملات مُرجأة

 

غريبٌ عجيب كل ما يصيبنا. والأكثر عجباً وغرابة أن يتصرف الطاقم الحاكم وكأن الناس مجبرون على التحمل، وكأن الشعب اللبناني العظيم هو من أوصل البلاد والعباد الى الدرك الأسود وعليه أن يتحمل. كل ذلك و”السيستام” معطل. والأمخاخ معطلة. والمعاملات تتوقف، تتأخر، تتلخبط، ومن يدفع كلفة كل ذلك هو طبعاً المواطن المستسلم لواقعِهِ، الخارج عن وعيه، وكأنه شارب قنينة كحول من الصنف السيئ. فهل نتركه ينام ما دام هو عاجزاً و”سيستام” الدولة كله معطل؟

 

لفظ هاتف مواطنة عمرَه، بعدما دارته بالشبر والنذور، فهرولت الى أقرب متجر فتح أبوابه واشترت أول هاتف رأته من نوع سامسونغ وسعره “على قدّ إمكاناتها”. المتجر في الداون تاون، له فروع كثيرة ويتبع عائلة سياسية رفيعة. نقلوا لها الأرقام ووضعوا الخط وغادرت وقبل أن تصعد الى مركبتها وصلتها رسالة من MOT: عزيزي المشترك، الرجاء التأكد ان جهازك هو من نوع (…) وان رسوم الجمارك اللبنانية الخاصة بهذا الجهاز غير محصّلة. لديك 90 يوماً من الإستخدام السنوي وسيتم إعلامك قبل 30 يوماً من إيقاف الجهاز عن الشبكة لتسديد الرسوم. ماذا يعني ذلك؟ هي اشترته من متجر معروف، من داخل لبنان، ودفعت ثمنه على أنه “كامل الأوصاف”، ووثقت بهم. فهل نصبوا عليها؟ وكيف يُدخل متجر كبير كمّاً من الهواتف الذكية بلا جمرك؟ عادت الى المتجر وسألت فأتى الردّ: نحن سددنا الجمرك لكن “السيستام” يبدو معطلاً. وهناك تأخير فظيع في إنتقال المعاملات المسددة بين الجمارك ووزارة الإتصالات ووزارة المالية.

 

تعطيل وأعطال

 

طبعاً، هو “السيستام” كله معطل، من رأس الدولة الى أخمص قدميها، لكن المواطن بحاجة الى “تيسير” أدنى أموره على الأقل. المواطن يحتاج على الأقل الى مياه وكهرباء والقدرة على إنجاز معاملاته البسيطة مع وزارات العدل والصحة والإتصالات والمالية والإقتصاد والطاقة… المياه لا تصل الى الحنفيات لأن مصالح المياه في لبنان لديها 200 مولد للكهرباء، 60 في المئة منها لا تعمل وبحاجة الى صيانة، و40 في المئة تحتاج الى مازوت. هو “السيستام” المعطل بالكامل.

 

فلنعد الى الجمارك. مخلصو البضائع في لبنان إستيراداً وتصديراً يعانون بسبب تعطل “سيستام” جمارك المرفأ حيناً والمطار أحياناً. النظام الجمركي كله في القعر. و”السيرفر” يتعطل، يمشي، ثم يعود ويتعطل. موظفو المركز الآلي التابعون للمجلس الأعلى للجمارك ما زالوا في السجن. بعضهم قد يكون كبش محرقة بدليل أن الأزمة أزمات والأعطال تطاول كل الخدمات. وأمس وافقت الهيئة الإتهامية على إخلاء الموقوفين في الملف بعد الظلم الذي لحق بهم. مسؤول واحدة من شركات تخليص البضاعة، هو يعاني الأمرين من تعطل النظام الجمركي أسبوعياً، طوال أيام، وحين يعود يُضرب العاملون، وحين يعودون عن الإضراب يعود ويتعطل “السيستام”. هي حلقة مفرغة. فماذا في جديد الأزمة المتجذرة؟ يتحدث مخلص البضاعة عن قرار وزارة الصحة في لبنان إيقاف الرابط “link” بينها وبين الجمارك، الذي كان يعمل وفق نظام نجم أونلاين، حيث كانت المعلومات بين الجهتين تدخل تلقائياً “أوتوماتيكياً” حين تكون البضاعة لها علاقة بوزارة الصحة ويعطى السماح “approval” أونلاين. كان ذلك ضمن خطة تطبيق الحكومة الإلكترونية. توقف ذاك الرابط وبات من يأتي ببضاعة تخص وزارة الصحة ينتقل إليها مباشرة ويقدم المعلومات باليد وينتظر وصول الموظف وصدور القرار. تبدلت المسائل كثيراً وعاد لبنان “جمركياً” (كما في كل المرافق) عقوداً الى الوراء.

 

يحصل كل ذلك في حين أن عضو المجلس الأعلى للجمارك، المسؤول عن النظام المعلوماتي، هاني الحاج شحادة ما زال قابعاً في السجن. والمجلس الجمركي الذي يرأسه العميد أسعد الطفيلي شبه مشلول. هنا، يتذمر كثيرون من مخلّصي البضائع من أخطاء لا تزال تقترف حتى اللحظة و”استعلاء” من أشخاص يظنون أن الله خلقهم وكسر القالب على الرغم من التعطل الكبير الذي يجتاح البلاد، فها هو أحد رؤساء المصالح بالإنابة في مرفأ بيروت، الذي انتقل الى أحد مباني مرفأ بيروت بعد أن تهدم المبنى الذي كان يشغله. هو يركن سيارته في مكان يعتبره قد أصبح ملكاً له، ومنذ اسبوعين تقريباً، ركن أحد الشبان دراجته النارية في المكان نفسه فقام بركلها وتكسيرها. هو أمرٌ أثار الزعل الشديد عند الكثيرين ممن يرون كل المسؤولين مقصّرين وكل المصالح معطلة وكل الأنظمة متوقفة وهناك من لا يزال مصرّاً على إستخدام البطش ظنّاً منه أنه “ملك الملوك”!

 

زمان، كان عدد الشركات المعلنة عن “تخليص البضائع الجمركية” كبيراً. العاملون اليوم يعانون، يئنون، وينذرون من يعنيهم الأمر بأنهم “رفعوا العشرة”.

مخلص جمركي في شركة “لبنان للشحن والتخليص الجمركي” يتحدث عن معاناة كبيرة بسبب إما تعطل “السيستام” أو إضراب العاملين. والأنكى إنهم “يمركون” على الزبائن الغرامات. هم يأخذون على الكيلوغرام الواحد الموجود في أرض المرفأ مثلاً 26 سنتاً يومياً. والبضاعة تكون بالأطنان لا بالكيلوغرامات. فما ذنب الزبون بسبب تعطل “السيستام” الدائم؟ وهل يتحمل الزبون كلفة إضراب العاملين في القطاع العام؟

 

أكثر ما يزعج من يتعاطون بتخليص البضائع أن الزبائن يحسبون أن التأخير منهم. هؤلاء لا ينتبهون أن تخليص البضائع يمر بمراحل بينها تسجيل البيانات والتأكد من نوعية البضاعة والموافقات والتسجيل عبر “السيستام” المعطل دائماً.

 

يا إلهي كم من مرة تتكرر كلمة “السيستام” عند المعنيين في الشؤون الجمركية وتخليص البضائع. يبدو أن الحكومة الإلكترونية في لبنان ودعتنا نهائياً. نعود لنسمع المخلص الجمركي “هناك شحنة أتينا بها من الخارج منذ أكثر من شهر، تتكون من براغي لزراعة الأسنان، وهي حائزة على موافقة وزارة الصحة. وهي موجودة حالياً في المرفأ. طلبنا من وزارة الصحة مراراً وتكراراً إستكمال أوراق خروجها من المرفأ لكن لم ينظر أحد بالمعاملة. لا أحد يبالي بنا. لذا حركنا الواسطة لنأخذ حقنا. كل شيء، على الرغم من كل ما حلّ بنا، ما زال يعمل بالرشاوى والواسطة”.

تراجع الإستيراد من الصين

 

عرقلة إنجاز الأعمال الجمركية سببها كثير من الخلل الذي أصاب إدارة الجمارك وأدى الى الإعلان عن توقف السيستام عن العمل. وهو لا يلبث أن يعود ويتوقف بعد أن يعود ويعمل. كما أن الموظفين في الوزارات “لا خلق” لديهم للعمل. من يتقاضون الملاليم لن يقوموا بالأعمال المطلوبة منهم. هذا ربما حقهم لكن ما ذنبنا نحن؟

 

كل أعمال الشحن تأثرت. الإستيراد من الصين تراجع 80 في المئة. كانت الشركات تدفع 12 ألف دولار كلفة شحن كونتينر من الصين إرتفاعه 40 قدماً. أما الآن فالإستيراد يتركز من تركيا ومصر. التجار “بيمشّوا” حالهم بالتي هي أحسن واقرب. وحده إستيراد السيارات عاد واشتدّ في الآونة الأخيرة، عبر المصنع، حيث تدخل يومياً بين 30 الى 40 سيارة، لان الجمرك ما زال على سعر 1500 ليرة. والأخبار تُنبئ أن الإرتفاع قد يكون قريباً. لذا “يستلحق” البعض حالهم. التصدير أيضاً تأثر كثيراً وأصبحت المعاملات أشدّ وأكثر صعوبة. فمن يريد تصدير زيت الزيتون مثلاً عليه أن يحوز عشرات الموافقات قبل ذلك.

 

كل شيء يتغير. إستيراد الهواتف الخليوية تدنى في شكل حاد في 2020، فبعدما استورد لبنان في 2018 بمبلغ 129 مليون دولار هواتف ذكية، لم تتجاوز القيمة في 2020 ما قيمته 75 مليون دولار. والنسبة تضاءلت أكثر في 2021. لكن، ماذا يعني أن يقال لمن اشترى من قلب لبنان، من متجر يفترض أن تكون هواتفه خاضعة للرسوم الجمركية، عليك أن تسدد بنفسك تلك الرسوم خلال تسعين يوما؟ “السيستام” هو الذي أخطأ؟ ماذا لو أصاب فيروس كل الأنظمة في البلد فمن يضمن الحقوق؟ وكم يمكن أن يتكبد مواطن ظنّ انه اشترى هاتفاً “شرعياً” ثمة “جمركة” هاتفه الجديد؟ فلنخل أن الهاتف الذي اشتريتموه سعره 200 دولار أميركي (300 ألف ليرة) فيكون الرسم الجمركي الموحد عليه 5 في المئة أي 16 الفاً أما الضريبة على القيمة المضافة عليه ونسبتها 11 في المئة فتكون 34 ألفاً. يعني على من “أكل الضرب” من المتجر سداد 50 ألف ليرة أي ما يعادل بالعملة الأجنبية حسب السعر الرسمي 33,17 دولاراً أميركياً. فهل تتخيلوا أن تسددوا نفس السعر ذات يوم قريب بسعر الدولار في السوق السوداء؟

 

كل شيء “ملخبط”. لا شيء يسير على ما يرام في سويسرا الشرق.