فجأة احتجب العدد الورقي اليومي أمس من زميلتنا “دايلي ستار”، لتنضم الى غائبات عزيزات (السفير والمستقبل والحياة) طبعت صحافتنا بألوان مختلفة من السياسة الى الثقافة، وسجلت أحداثاً في تاريخ لبنان الحديث تأثرت بها وأثرت فيها.
لوداع “دايلي ستار” وجع مختلف عن سقوط أي حبة من عقد صحافة ورقية تعاند الزوال بإرادة الصمود وغريزة البقاء. الدايلي بالذات كانت لسنوات طويلة صورتنا لدى العالم. فمع انفتاح بيروت مطلع الخمسينات (1952) وازدهار النهضة التعليمية الحديثة، عصفت بالمنطقة وبلبنان أحداث جسام نجمت عن تأسيس الكيان الصهيوني وظهور قضية اسمها “القضية الفلسطينية”.
فرأى الراحل الكبير مؤسس “الحياة” كامل مروة ان لبنان والعرب بحاجة لشرح قضاياهما المركزية للعالم وبلغته العالمية، فولدت أول جريدة ناطقة بالانكليزية في العالم العربي.
وسرعان ما تحول المولود الجديد مدرسة يتدرج فيها صحافيون غربيون ليتعرفوا الى القضايا العربية، ويتتلمذ فيها صحافيون لبنانيون لينتقلوا الى مؤسسات صحافية غربية.
كانت “دايلي ستار” الدليل اليومي الى معرفة لبنان والشرق الأوسط للناطقين بالانكليزية من ديبلوماسيين وصحافيين وكتاب وسياح. ومع التزامها بالقضايا الوطنية والقومية، وربما بسبب لغتها وجمهورها، كانت مضمونة الموضوعية والمصداقية.
إضطرت للغياب مع “الحرب الأهلية” لكنها عادت في 1996 لتملأ الفراغ الذي أحدثته لدى جيل من متابعيها، ولتتوجه الى جيل لبناني آخر صارت الانكليزية تملأ يومياته وجزءاً من لغته الأم. غير ان الأزمة الاقتصادية الحالية جعلتها تنكسر امام عاصفة التكاليف بعد يوم واحد من صمت مشابه أصاب “راديو وان”.
كانت لافتة أمس تغريدات دولية أسفت لغياب الدايلي ستار أبرزها للمنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش، وجاء فيها: “خبر مفجع للبنان وأصدقائه الدوليين، إغلاق وسيلة إعلامية أخرى بسبب الظروف الإقتصادية الضاغطة”، ولمساعد المنسق الخاص للأمم المتحدة للشؤون الانسانية في لبنان فيليب لازاريني، وللسفير البريطاني في بيروت.
العالم يرفع الصوت حزناً على ما حلّ بصحافتنا، ونحن، لكثرة الأحزان التي أَجبرت “سلطة الفساد والإفساد” اللبنانيين على معاناتها، نشيّع بصمتٍ واحدةً من مناراتنا.