Site icon IMLebanon

The Daily Star قوة الوضوح وشجاعة الأمل

 

يوم الخميس ٨ آب أعادت جريدة الديلي ستار إلى الصحافة اللبنانية تألقها وتاريخها العريق في قوة الوضوح وصناعة الأمل ومواجهة التحديات العظام، تلك الصحافة التي حملت على مدى عقود طوال قضايا الحريات والعدالة والتقدم والانفتاح في مواجهة الاستبداد والتقوقع والتخلف والعصبيات الطائفية والقبلية، الصحافة اللبنانية التي استوعبت تطلعات وطموحات الأجيال والمفكرين والشعراء والمبدعين في كل مجال، وكانت منارة لكل طريد وشريد، وبيت آمن للتجديد والابتكار، وكانت أمينة على رسالة المطبعة اللبنانية والكتاب والحداثة والتنوير في المنطقة ولبنان، الصحافة اللبنانية التي جسدت الثقافة التنافسية بين أفكار اليمين واليسار والسياسات القومية والوطنية، إلى أن جاءت ثقافة النزاع والعنف المسلح وإلغاء الآخر وقتل المدينة والمدنية وتغيير قواعد الانتظام من التنافسية الفكرية والإبداعية إلى النزاعات المسلحة الطائفية والقبلية واغتيال الصحافة اللبنانية ورموزها وهي المهددة بالإفلاس والتوقف عن الصدور الآن.

 

يوم الخميس ٨ آب أعادت جريدة الديلي ستار الروح للصحافة والسياسة، عبر قوة الوضوح ودقة الاستشراف وبمهنية عالية وابتكار خلاق، عندما وضعت على صفحتها الأولى كلمة «لبنان» محاطة بالسواد القاتم تعبيرا عن الحزن الشديد على ما وصلت إليه تجربة الدولة الوطنية من مظاهر التفكك والانهيار الحكومي والمجتمعي، عبر استسهال إثارة النعرات ونكء الجراح وتعميم الكراهية والبغضاء. إن شجاعة الابتكار وقوة الوضوح لدى الديلي ستار جعلها تذهب إلى ما هو ابعد من الاصطفافات الرخيصة، وابعد من مهادنة السياسيين والقراء، وأبعد من إرضاء سفارات الدول والمنظمات والوصايات القريبة والبعيدة، وأبعد من الأوهام والادعاءات واحاديث المؤامرات وتفاهة الشعبويات وفرسان طواحين هواء من الأقوياء وأصحاب الخبرة والأمجاد والمقامات.

 

إن قوة الوضوح لدى الجريدة الغراء تمثلت بصفحاتها البيضاء الخالية من الصور وآلاف الكلمات والذهاب مباشرة إلى تحديد المخاطر الحقيقية التي تهدد لبنان، وباختصار على كل صفحة من صفحاتها البيضاء انطلاقا من تغول أهل السلطة على السلطة، وتغليب الخاص على العام، وتعطيل الدولة والمؤسسات، إلى خطاب الكراهية الطائفية والاصطفافات، إلى تراكم النفايات على الطرقات، إلى مخاطر التلوث البيئي، إلى ارتفاع منسوب البطالة، إلى انتشار السلاح غير الشرعي النافي لوجود الدولة المحتكرة للسلاح وما يشكله من مخاطر أمنية وعسكرية على لبنان، إلى ضخامة حجم اللجوء في لبنان، إلى الدين العام الذي بلغ ١٠٠ مليار دولار، إلى مخاطر إفلاس وانهيار القطاع الخاص، إلى المخاطر التي تهدد العملة الوطنية، وصولاً إلى صفحتها الأخيرة ورمزية الرسالة الموجهة إلى كل اللبنانيين بدون استثناء، عبر صورة الأرزة اللبنانية رمز البلاد وفوقها عبارة «استيقظوا قبل فوات الأوان».

 

إن قوة الوضوح هي ما يحتاجه لبنان الآن بعيدا عن المهارات الإنشائية والرهانات الحمقاء، واستدعاءات الماضي البغيض المليء بالفشل والضياع والقتل والدمار، وبعيدا عن إدمان السلطة والارتزاق من الانخراط في النزاعات الإقليمية والدولية، التي تجتاح المنطقة والتي تنذر بأسوأ العواقب على دول المنطقة وشعوبها على حد سواء. إن قوة الوضوح تضعنا في مواجهة أنفسنا وتحدياتنا الحقيقية ومستقبل أجيالنا، وبعيدا عن هلوسات عشاق الوصول إلى السلطة أَهلْ الغاية التي تبرر الوسيلة. إن قوة الوضوح تجعلنا نتحرر من ثقافة ابتداع الأزمات وإدارتها التي كرسها الأوصياء على مدى عقود طوال، وتحية لأسرة جريدة الديلي ستار اللبنانية من على صفحات زميلتها جريدة «اللواء» على قوة الوضوح وشجاعة الأمل، وعلى صرختها «استيقظوا قبل فوات الأوان».