على وقع التطورات الاقليمية المتفلتة من أي ضوابط، عادت عقارب الساعة اللبنانية الى العمل بعد عطلة الفصح الغربي، من المزة في دمشق، الى رفح في غزة، مرورا بالجبهة الجنوبية على ضفتيها، ما ينبىء بتعقيدات داخلية اكبر وبارتفاع نسب فرضية الحرب، التي طالما شكلت الساحة اللبنانية احد ابرز صناديق بريدها، وسط مشهد “اسرائيلي” غير مألوف وهروب الى الامام سعيا وراء مواجهة، نجح المحور في النفاذ منها حتى الساعة.
مصادر ديبلوماسية عسكرية كشفت ان العملية “الاسرائيلية” في دمشق، التي تقصدت “تل ابيب” تبنيها منذ اللحظة الاولى، خلافا لما كان يحصل في السابق في اطار “استراتيجية الغموض” المتبعة، يشكل سابقة خطيرة وكبيرة، رغم ان القرار اتخذ على اعلى المستويات السياسية والعسكرية، وبالتنسيق مع اجهزة الاستخبارات الاميركية التي وضعت في الاجواء، واصفة العملية بالمركبة والمعقدة التي ارتكزت الى معلومات دقيقة، بمؤازرة من عملاء على الارض تمكنوا من رصد مبنى القنصلية بدقة.
وتابعت المصادر بان ما حصل هو نتيجة جهد استخباراتي كبير، تمكن من خلاله جهاز المخابرات “الاسرائيلي” من خرق المنطقة الامنية، وتحديد البيوت والشقق الآمنة التي تستخدم في الاجتماعات العالية الاهمية، وبالتالي من رصدها على مدار الساعة، تزامنا مع رصد القيادات الاساسية في الحرس الثوري المولجة ادارة ملف لبنان تحديدا، مشيرة الى ان الغارة نفذت عبر طائرات “اف -35” تمكنت من التسلل الى الاجواء السورية، والتواجد في سماء المنطقة بشكل متخف دون ان ترصدها الرادارات، حيث حلقت على علو شاهق، قبل ان تتلقى الاوامر بالغارة على الهدف مع صدور القرار، الذي اتخذ فور خروج احد الدبلوماسيين الايرانيين من المقر.
ورأت المصادر ان الجمهورية الايرانية محرجة الى درجة كبيرة، فهي ان ردت ستجر المنطقة الى مواجهة كبرى تسعى “تل ابيب” اليها وتريدها، وان لم ترد فهي في “ورطة”، اذ سيتم ارساء قواعد اشتباك جديدة حينها، خصوصا ان القادة الذين استهدفوا وتمت “تصفيتهم” هم من الذين عملوا منذ عام 2006 على الملف اللبناني، من التنسيق بين حزب الله والمخابرات السورية، الى تأمين خطوط الامداد بالسلاح والذخيرة من طهران الى بيروت، وصولا الى وضع الخطط القتالية وادارة غرفة عمليات المحور.
وكشفت المصادر ان الضربة الموجعة التي تلقاها محور الممانعة، لن يكون من السهل تجاوز تداعياتها نظرا لاهمية الضباط والقادة المستهدفين، وبالتالي فان تأمين البدلاء لن يكون سهلا خصوصا في ظل الاوضاع السائدة، متخوفة من ان يكون ما حصل في اطار الترتيبات الجارية والاستعدادات للحرب الكبرى التي تعدها “اسرائيل” ضد لبنان، مؤكدة ان الاجتماع كان بهدف درس الاوضاع على الساحة اللبنانية، وسبل مواجهة أي هجوم “اسرائيلي”، فضلا عن ملف غزة، حيث لا زالت حركة الجهاد الاسلامي الاكثر قدرة على شن الهجمات ضد “الاسرائيليين”، متحدثة عن ان عدد القتلى يتخطى الرقم المعلن.
وفي هذا الاطار، اكدت المصادر ان رسالة “تل ابيب” كانت واضحة بان لا خطوط حمر، وانها مستعدة للذهاب في المواجهة حتى النهاية، في وقت باشرت فيه تدريبات ومناورات تحاكي الهجوم على المنشآت النووية الايرانية وتستمر لاسبوعبن، بعد ان تبلغت “تل ابيب” من واشنطن الموافقة على تزويدها بطائرات “اف-35” وقنابل ذكية.
اوساط سياسية مقربة من الثامن من آذار رأت ان “المغامرة الاسرائيلية” غير المدروسة موجهة ضد الاتفاق الاميركي-الايراني وتقدم المفاوضات حول مساراته، وان ما حصل يشكل رسالة الى ادارة الرئيس بايدن، وللضغط في الداخل الاميركي، بعد المواقف الديموقراطية الاخيرة والضغوط الممارسة لوقف النار على غزة، متخوفة من ان يستفيد الجيش “الاسرائيلي” من أي فوضى قد تحصل لتنفيذ عمليته البرية في رفح.
وختمت الاوساط بان المحور لن يستعجل الرد، وان المطلوب اليوم دراسة الواقع الجديد وكسر الخطوط الحمر الذي حصل، خصوصا ان طهران غير مستعدة لخسارة الانجازات التي راكمتها على صعيد التفاوض مع واشنطن. وبالتالي، فان خيار الذهاب نحو المواجهة الكبرى لن يكون مطروحا راهنا، اقله في المدى المنظور، رغم ان قرار الرد حتمي لا نقاش فيه.
فهل تعمِّدت “إسرائيل” الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران؟ وهل ما حصل هو انتقال من مرحلة حرب الوكلاء الى معارك الاصلاء، بعدما قررت طهران وباعتراف اميركي، تحريك ساحة البحر الاحمر وفرض “حصار بحري” على “اسرائيل”؟ والسؤال الأساسي: كيف سترد الجمهورية الإيرانية الإسلامية على هذه الضربة القاسية؟ وإذا قررت الرد، أين ستكون جغرافيا المواجهة؟والاهم من كل ذلك، اين واشنطن من هذه التطورات النوعية الدراماتيكية؟