كثرت في الأيّام القليلة الماضية الإشاعات بشأن وُجود خطر مُحدق بأهالي البقاع عموماً وبأهالي بلدات القاع ورأس بعلبك وجديدة الفاكهة تحديداً، وذلك بفعل إكتشاف المزيد من الخلايا النائمة لتنظيم «داعش» الإرهابي في الداخل اللبناني، وخاصة في منطقة البقاع عموماً والبقاع الشمالي خُصوصاً، وكذلك بعد تعرّض مراكز الجيش في المنطقة لإعتداءات غادرة في الساعات القليلة الماضية. وقد تعزّزت هذه الإشاعات بسبب تسجيل سلسلة من عمليّات القصف المدفعي والصاروخي باتجاه الجرود في الأيّام والأسابيع القليلة الماضية، ومنها قصف جرود عرسال ثم قصف منطقة الكسارة التي تقع بين جرود رأس بعلبك والنعيمات قبل بضعة أيّام، وكذلك نتيجة تسجيل سلسلة من عمليّات الدهم لمخيّمات النازحين وإعتقال المئات من المشبوهين، كما حصل في مشاريع القاع أخيراً، وحتى إعتقال بعض أبرز المَطلوبين ومنهم على سبيل المثال لا الحصر إبراهيم قاسم الأطرش الذي أوقف في عرسال خلال الشهر الماضي. فهل فعلاً يُوجد خطر فعلي على القرى والبلدات اللبنانيّة في البقاع الشمالي، لا سيّما منها البلدات المسيحيّة التي تُمثّل خاصرة رخوة على مستوى التواجد الحزبي والشعبي المُسلّح في المنطقة؟
مصادر متابعة للملف أكّدت أنّ الجبهة الحُدوديّة ممسوكة تماماً، وأنّ عمليّات الرصد التي يقوم الجيش اللبناني بها لتحديد أيّ تحرّكات مشبوهة للمجموعات المُسلّحة تتمّ بشكل دَوري. وبمجرّد الإشتباه بأيّ حركة مُريبة، يتمّ التعامل معها بمدفعيّة الميدان الثقيلة وبصواريخ الراجمات في بعض الأحيان. وذكّرت بأنّه منذ بضعة أيّام قصف الجيش اللبناني مناطق مُحدّدة في جرود عرسال، بعد رصد تحرّكات مشبوهة لمجموعات مُسلّحة، ثم جرى إستهداف منطقة الكسارة بشكل خاص والتي تقع بين جرود رأس بعلبك والنعيمات، وذلك بعد رصد تحركّات لمُسلّحي تنظيم «داعش» الإرهابي. وأضـافت المصادر نفـسها أنّه في السـاعـات الماضية تكرّر القصف المدفـعي المُركّز من مرابض الجـيش، ردّاً على الإعتداء الأخير على مواقع الجيش. وشدّدت هذه المصادر على أنّ الداخل اللبناني ممسوك أيضاً، مـع بعض الإستثناءات والخروقات المحدودة هنا وهناك، مُشيرة إلى أنّ عمليّات دهم مخيّمات اللاجئين، وتوقيف المُشتبه بهم على ذمّة التحقيق، تتم من دون إنقـطاع، وفي كثير من الأحيان بعيداً عن الإعلام. وختمت هذه المصادر بالدعوة إلى عدم الأخذ بالإشاعات، وتؤكّد أنّ مـا حصل في عرسال في مطلع آب 2014 لن يتكرّر في أيّ بلدة أو منـطقة حُدودية، أكانت في البقاع الشمالي أو غيره.
وبموازاة التطمينات الرسميّة، تؤكّد المعلومات المُتوفّرة من الميدان أنّ الخطر الذي يتهدّد بعض المناطق والبلدات في البقاع الشمالي، ليس من خارج الحدود، لأنّ قُدرات الإرهابيّين من حيث العدد والعتاد باتت محدودة جداً، ولا قُدرة لهم بالتالي على شنّ هجمات واسعة، علماً أنّ الخطوط الدفاعيّة للمواقع الحدوديّة اللبنانية القريبة ممّا تبقّى من جُيوب للمُسلّحين، باتت مُترابطة بعضها ببعض، وهي في أعلى مستوى الجهوزيّة الدفاعية على مدار الساعة، وقادرة على إستيعاب أيّ هجوم والتصدّي له بدماء العسكريّين.
لكن وبحسب المعلومات الميدانية أيضاً، إنّ الخطر الذي يتربّص ببعض القرى والبلدات الحدودية اللبنانية في البقاع الشمالي هو من داخلها، وتحديداً من بعض مخيّمات اللاجئين السوريّين تحديداً. وبحسب المعلومات، فإنّ التحقيقات مع بعض المُعتقلين الذين أوقفوا في خلال عمليّات الدهم التي تُنفّّذ دَورياً، أظهرت إنتماء بعض الموقوفين إلى خلايا إرهابية، ولو أنّ قسماً كبيراً من هذه الخلايا غير ناشط حالياً، بعد تلقّي أفرادها تعليمات بوجوب الإكتفاء بالإنتظار في المرحلة الحاليّة، وكأنّ هذه الخلايا تمرّ في مرحلة سبات ظرفيّة، في إنتظار تلقّي تعليمات أخرى قد تدعوها للتحرّك في المُستقبل.
وفي السياق عينه، تخوّفت مصادر من داخل البلدات المسيحيّة في البقاع الشمالي، أي البلدات التي كانت قد دفعت ضريبة دمويّة باهظة في خلال الحرب الأهليّة في لبنان، عندما تعرّضت لمجزرة غادرة في نهاية حزيران من العام 1978، بهدف تهجير المسيحيّين من المنطقة آنذاك، من أن تدفع مُجدّداً ثمناً كبيراً، نتيجة الضغط المعنوي والنفسي المُتزايد على أبنائها، بفعل تكاثر المخيّمات الفوضويّة للنازحين، وتزايد الإرتكابات الفرديّة التي يقوم بها هؤلاء. وأوضحت هذه المصادر أنّ بعض هذه الإرتكابات يأخذ في أغلب الأحيان طابع خلافات فرديّة، على بئر مياه هنا وعلى أرض زراعية هناك أو لأي سبب سطحي آخر، لكنّها تؤثّر على الجوّ العام في المنطقة، خاصة في ظلّ تغيّر ديمغرافي كبير لا يصبّ في صالح أبنائها.
ودعت هذه المصادر الأجهزة الأمنيّة الرسميّة المُنتشرة في البقاع الشمالي عموماً، وفي القرى والبلدات المسيحيّة تحديداً، إلى تفعيل تواجدها في داخل هذه البلدات وليس على الحدود مع سوريا فقط، لأنّ الأقليّة العدديّة المسيحيّة لا تشعر بالإطمئنان للغرباء الذين باتوا مُنتشرين بكثافة في المنطقة، بعكس أبناء عرسال أو أبناء بعلبك على سبيل المثال لا الحصر، والذين يتحصّنون ضمن بيئة مذهبيّة حاضنة ومُطمئنة على صعيد العدد والسلاح المُتوفّر!