أثبت الجيش مرة جديدة انه المظلة الأكبر للإجماع الوطني، فما أن اطلق معركته لتحرير الجرود من داعش حتى شهدت الساحة الداخلية التفافا غير مسبوق حول المؤسسة العسكرية، فتم تحييد الملفات الخلافية جانبا وتركز الغطاء السياسي الكامل للشرعية العسكرية حتى تفرض سلطتها على الحدود كاملة. وهي ليست المرة الاولى التي يُظهر الجيش فيها مناقبية عالية وأداءً مُلفتاً على الرغم من محدودية التجهيز ، متكلاً بالدرجة الاولى على اندفاع العسكر وانتمائهم المشرف للوطن، ولا احد سواه، فترى طوائف لبنان ومذاهبه مجتمعة تحارب الاٍرهاب كتفاً على الكتف، متجاوزة الابواق العديدة التي حاولت اللعب على الوتر الطائفي لفرط وحدة المؤسسة من الداخل، وانبرت تقارير السفارات الأجنبية ، وهي الأعلم بالتقصير الهائل بتسليح الجيش، تشيد بإلانجازات الكبيرة وضمن مهلة قياسية في مواجهة الاٍرهاب.
لقد جمعت المؤسسة العسكرية من فرقتهم السياسة والمصالح المتناقضة ، فهل يستثمر هذا الاجماع لإكمال ما كان يجب ان يتم منذ وقت طويل لحماية الداخل اللبناني من الاٍرهاب والمندسين بشتى أنواعهم عبر ترسيم الحدود، حتى يتسنى لكلتا الدولتين اللبنانية والسورية محاصرة الجماعات الإرهابية وقطع أوصالها بشكل فاعل ونهائي؟ أم ان الكباش السياسي أقوى من الاستراتيجية الوطنية خاصة ان المصالح الخاصة لا تزال تتقدم على مصلحة الوطن والمواطن!
إلا أن فرحة المواطن وثقته بدولته لم تكتمل مع استمرار كابوس السلسلة والذي ينذر بفصل جديد من الأزمات الاقتصادية… فالتمويل مضمون من جيوب المواطن ، ومزاريب الهدر لا تزال مفتوحة على مصراعيها، وسياسات الإصلاح تبخرت، واستبدلت «بالتوافق لتسهيل الأمور»، واضحى الفساد جزءاً لا يتجزأ من عمل مؤسسات الدولة، خاصة بعدما حرصت القوى السياسية على تلقين كل من تسول له نفسه مواجهة هذه الآفة، أو حتى رفض الانجرار خلف المفسدين درساً قاسياً، كانت اهون شروره ان دفعت كفاءات عالية في الدولة تاريخاً مشرفاً في خدمة الحقل العام حسبما يمليه الضمير المهني والحس الوطني الذي بات نادراً في يومنا هذا!
إن التمادي بالضرائب مع استمرار الاستخفاف بحاجات المواطن البديهية من كهرباء وماء ونفايات، دون اغفال فاتورة الطبابة والتعليم الباهظة التي يتكبدها الناس، دون ان يظهر الأداء الرسمي اَي بصيص أمل بوضع خطط واضحة المعالم لإخراج الدولة ومؤسساتها من دوامة العجز والنهب الممنهج.
ان الطريق لا تزال طويلة وشائكة امام من لا يزال يؤمن بلبنان وطناً يحضن أبناءه ولا يقذف بهم الى الخارج، بسبب سوء إدارة القوى السياسية وإمعانهم بالفساد، وهي على يقين ان المواطن عاجز ولن يستطيع سوى ان يتفرج على مقدرات الدولة تنهب مع إحكام كامل على شتى سبل المحاسبة او حتى المساءلة. هي طريق طويلة ولكن غير مستحيلة تبدأ بحد أدنى من تعزيز الشرعية وإعطاء الامن الوطني حقه الفعلي، بعيداً عن بيعه المواقف الداعمة، وحق السلطة الشرعية فرض هيبتها على كافة الاراضي اللبنانية كما يليق بوطن يستحق الحياة !