يبدو أن لا أفق قريبا لإنتهاء الحرب في سوريا أو أقله دخولها في مرحلة هدنة أو تهدئة عسكرية. الجميع بما فيهم النظام السوري والفصائل السورية المسلحة، بانتظار ريثما تتضح معالم المفاوضات السريّة منها والعلنية وعلى أي حال يُمكن أن ترسو. وحده «حزب الله» يبدو كمن يُصارع الزمن أو يلعب في الوقت بدل الضائع أملاً في أن يُحقّق نتائج ميدانية يُمكن أن يستغلها لاحقا لكي يستثمرها لحظة تقاسم الغنائم.
منذ فترة شهر تقريباً، بدأت تتغيّر الوقائع على الأرض لجهة الحرب الدائرة بين فصائل المعارضة السورية من جهة وبين النظام السوري وحلفائه من جهة اخرى، والكلام هنا تحديدا عن بلدة خان طومان في ريف حلب والتي ما زالت عصيّة على السقوط على الرغم من الاستنزاف الكبير الذي طال قادة وعناصر من الحزب وضباطا كبارا من «الحرس الثوري الإيراني» وعددا غير قليل من أصحاب «القبعات الخضر» في الجيش الإيراني. وبعد هذه الإنتكاسات برزت معلومات تحدثت عن انسحاب مجموعات من «حزب الله» من سوريا باتجاه مناطق لبنانية تقع عند الحدود مع سوريا في خطوة اعتبرت وكأنها تجنب لسقوط المزيد من كوادره وعناصره بعدما قُدّر عدد الذين سقطوا خلال عشرة أيام فقط، بين ثلاثين وأربعين مقاتلاً معظمهم من «القوّات الخاصة».
على المدى الطويل سيكون «حزب الله» الخاسر الأكبر حتماً من الحرب الدائرة في سوريا، فتدخله هناك الذي تدرّج على عدة مراحل والذي بدأ بحماية القرى الشيعية ثم مرّ بحماية المقدسات حتى وصل إلى ما هو عليه اليوم، وصل اليوم إلى حائط مسدود بعد فقدانه اكثر من الفي عنصر ومثلهم وربما أكثر من الجرحى خلال أربعة اعوام تقريباً، وهو عدد لم يخسره الحزب طيلة فترة صراعه مع اسرائيل أي منذ العام 1982 لغاية حرب تموز 2006، وتستمر اليوم هذه الخسائر والهزائم في ملاحقة الحزب في كل المناطق السورية التي يتواجد فيها على الرغم من أنه بدأ يلمس جديّاً ميل الاطراف السورية المتنازعة إلى الحل عبر التفاوض، عدا قراءته الجيدة لرسالة المجتمع الدولي رسالة إلى الحكومة السورية بعدم التشدد في مطالبها خلال المفاوضات، فضلًا عن تأكده من وجود اتفاق روسي أميركي لإعادة توزيع المطامع والمصالح بين الدولتين الكبريين وفي سوريا على وجه التحديد.
الرمال المتحركة هذه التي أغرقته بها إيران منذ سنوات أربع وتداعياتها، بدأت تأكل من رصيد «حزب الله» داخل مجتمعه تماماً كما اكلت سابقاً من رصيده في العالم العربي بعد الإنقلابات التي قام بها في لبنان ومن ثم تدخله في شؤون معظم الدول العربية بدءا من العراق واليمن فالكويت والبحرين ومهاجمته السعودية وصولا إلى سوريا، فبغض النظر عن نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية الاخيرة والتي لم تصب في مصلحته في اكثر من منطقة والتي أظهرت أيضاً تراجعاً ملحوظاً في شعبيّته داخل بيئته، تظهر بين الحين والآخر حالات اعتراضية من قبل الاهالي على جر أبنائهم إلى الحرب سواء عن طريق الترغيب أو الترهيب، الأمر الذي ادى بهؤلاء إلى عدم إرسالهم إلى جبهات القتال مجدداً بعد إنتهاء إجازاتهم الفصلية.
انحراف بوصلة «حزب الله» القتالية في سوريا وقبلها في لبنان، جعل جزءا كبيرا من عناصره يبتعدون عن الشعارات والعناوين التي حملها الحزب منذ تأسيسه، فلا «التكليف الشرعي» عاد يُعمل به وهو بمثابة قانون إلهي ثابت لا مجال لتجاهله أو الاعتراض عليه حتّى، ولا دعواته إلى «الجهاد» أصبحت تُطلق في مكانها المُناسب بعدما استدارت فوهة مدفعيته من جهة إلى اخرى. وعدم الاكتراث الى هذين «البندين» الأساسيين في مفهوم «حزب الله» وعقيدته الإيمانية، كان السبب الرئيسي الذي دفع بعض القادة والمتنفذين في الحزب إلى ترك الميدان والتوجه إلى التجارة في مجال المقاولات وبيع العقارات وبناء المشاريع والمنتجعات السياحية ضمن المناطق التي يُسيطر عليها «حزب الله».
تتأكد هذه الحالة المستجدة، من خلال ما كانت كشفته مواقع إلكترونية سورية من خلال إلقائها الضوء على منطقة «السيدة زينب» وكيفية تحويلها إلى منطقة شبيهة للضاحية الجنوبية، إن من خلال الصور المنتشرة بكثافة التي تعود لقادة ايرانيين مثل الخميني و»الولي الفقيه» الخامنئي اضافة الى صور للسيد حسن نصرالله وقادة اخرين في الحزب، أو من خلال البناء العشوائي بعد احداث تغيير ديمغرافي في المنطقة عبر التهجير المتعمد للسكان واستملاك ارزاقهم طوعاً وترهيباً، والأفظع أن كل هذه الإرتكابات تتم وسط غض الطرف من النظام السوري.