Site icon IMLebanon

يوم كان في لبنان رئيس

في كتاب «حقيقة الثورة اللبنانية» الصادر عن الدار التقدمية ص: (37) يروي كمال جنبلاط قائلاً:

«حاول كميل شمعون ترشيح لطفي الحفَّار لرئاسة الجمهورية السورية، فكان يرسل في طلب النواب السوريين الى بيروت ساعياً لإنجاح المرشح المذكور، ولكنه فشل وفاز شكري القوتلي الذي كان يدعمه الأميركيون…».

ليس من عبرة أشدّ إيلاماً ممَّا كان عليه لبنان وما انتهى إليه…

يوم كان في لبنان دولة وسلطة ورئيس كان يصنع للدول رؤساءها، فيما هو اليوم يقف هزيلاً على أبواب الدول مستعطياً رئاسته من الآخرين.

لم يكن كميل شمعون يحاول الأخذ بالثأر التاريخي من سوريا يوم قال له الرئيس حافظ الأسد: «إنَّ مار مارون انتقل من سوريا الى لبنان»، فأجابه: «هذا يعني أنه كان لسوريا يدٌ منذ القدم في التدخل بشؤون لبنان الداخلية…» بل كان كميل شمعون رئيساً لدولة لبنان الكبير، ولم يكن «رجلاً مارونياً في بعبدا» أو رئيساً فخرياً يوزع الأوسمة.

ولست أدري ما إذا كانت سوريا هي التي راحت تثأر من لبنان بواسطة مار مارون الآتي منها إلينا، إذْ منذ سنة 1988 على الأقل شهدت الرئاسة صراعاً مارونياً محموماً أخذت تنحدر معه الى المنزلقات الدنيا وصولاً الى الفراغ، مع ما رافقها من انهزامات وضحايا، كان لا بدّ من تبريرها بمثل ما برَّر الرئيس السوفياتي خروتشوف ما أزْهَـقَهُ ستالين من أرواح فقال: «نعتذر من كلِّ الموتى».

أخطر ما في الأمر، أن تستمر الرئاسة في منزلقاتها ويستمر معها سقوط الضحايا من الأحياء والأموات… ضحايا المدينة الفاضلة التي سبَّبتها المدن المضادة، التي يحدّدها الفارابي:

– بالمدينة الجاهلة التي لا يعرف أهلها السعادة.

– والمدينة الفاسقة التي هي جماعة من الأشرار.

– والمتبدّلة التي غايتها الثروة والمال.

– والمدينة الضالة التي لأهلها في العقول آراء فاسدة.

ومن المآسي القاتلة أنَّ أهل المدن غير الفاضلة عندنا، لم يخرج واحد منهم من وادي الأفاعي وفي يده بعضٌ من الترياق، ولم يأْبهوا لمجالس العزاء في هذه الدولة الضحية التي لم يبق لها، إلّا أن تستحضر نفوس الموتى ونفوس الغائبين.

في ظلّ هذا الواقع المرّ، وفي غياب العقل النيّر الذي يضيء في الظلمة عندما ينطفئ النور من العيون، وفي غياب المسؤولية الوطنية وتواري ظل الله من الضمائر، ليس هناك من خلاص بانتخاب رئيس مع دستور مهدور، وقانون مبتور، وتوزيع المناصب والمكاسب بالسلال، بل بثورة أخلاقية تقوم بها المدينة الفاضلة على المدن الضّالة، بما فيها من روحانية المتصوفين الذين يتنزَّهون عن مفاسد الدنيا الغرّارة وأهوائها الفاحشة، فننهي بما بدأنا مع كمال جنبلاط في كتاب «الإنسان والحضارة» صفحة «237»، وقد سئل: «لمَ يرمز اللون البرتقالي فأجاب: الى متصوِّفي الهند الزاهدين بمباهج الدنيا الفارغة».