كثر الحديث عن أنّ الرئيس سعد الحريري لو قرّر أن يؤيّد ترشيح الجنرال ميشال عون للرئاسة فإنّ عدداً كبيراً من نواب كتلة «المستقبل» لن يكونوا معه، وأنّ القاعدة الشعبية سيخسرها.
لأصحاب هذا القول، الذين نحترمهم ونقدّرهم نقول:
أولاً- الرئيس سعد الحريري ديموقراطي بالنشأة والممارسة، وأنّ سبب التأخير في إعلان الموقف النهائي هو أنّ الرئيس الحريري يذهب الى الاجتماع بجميع نواب كتلته وأجرى أحاديث أحادية وثنائية وثلاثية وجماعية مع الجميع شارحاً لهم أهمية انتخاب رئيس للجمهورية في المطلق، كما يشرح أيضاً مخاطر بقاء لبنان في الفراغ الرئاسي، إضافة الى الوضع المالي الذي لم يعد يمكنه أن يستمر في هذا الوضع: أي لا رئيس للجمهورية، ومجلس نواب مقفل، وحكومة في تعطيل شبه دائم.
ثانياً- يدرك الرئيس سعد الحريري أنّ القرارات التاريخية والمصيرية هي غير شعبية، ولكن ما نرفضه اليوم سنبكي عليه غداً، وأكبر مثال على هذه النظرية أنّ العرب عندما تقرّر التقسيم في فلسطين في العام 1947 في هيئة الأمم، رفضوا… ثم رفضوا دعوى الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة بعد نحو عشرين سنة (ستينات القرن الماضي) الى القبول بالتقسيم على قاعدة «خذ وطالب»… فخوّنه العرب… ولكنهم حصدوا خسارة كل فلسطين تقريباً.
ثالثاً- مثال آخر على ذلك، هذه الحكومة وبالرغم من الصعوبات التي تواجهها لا تزال أفضل من عدم وجود حكومة، ولو عدنا بالذاكرة الى يوم ارتفعت أصوات ترفض أن يقبل الرئيس الحريري بالمشاركة في الحكومة مع «حزب الله»، يومها اتخذ الحريري قراراً تاريخياً واجهته معارضة طويلة عريضة وتهديدات بخسارة الجماهير… واليوم نرى أنّ هذه الحكومة هي ضرورة قصوى وخشبة الخلاص الوحيدة بالرغم من كل ما يواجهها…
رابعاً- نود أن نلفت نظر المعترضين على التسوية الرئاسية الى أنّ الذي يعطل انتخاب رئيس للجمهورية هدفه الحقيقي إلغاء «الطائف» أولاً، وثانياً التوصّل الى المجلس التأسيسي، وثالثاً يعتبر أنّ لديه فائضاً من القوة يغنيه عن الدولة.
لذلك فإنّ عدم الذهاب الى انتخاب رئيس للجمهورية، يحقق أماني الذين لا يريدون رئيساً.
من هنا نقول إنّ القرار التاريخي الذي يجب أن يتخذه الرئيس سعد الحريري ربما يزعج البعض أو لا يرضي البعض الآخر اليوم، ولكن عندما ينتخب رئيس وتشكل حكومة الوحدة الوطنية ستعود الدولة الى طبيعتها، وسوف يرى المعترضون اليوم كم هي فوائد انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ولنتذكر أيضاً أنّ الحكومة، وبالرغم من العراقيل التي توضع أمامها، يكفيها أنها قد أنجزت الخطة الأمنية في طرابلس وهذا بحد ذاته إنجاز كبير، طبعاً مع توقف التفجيرات وكشف العدد الكبير من العمليات الارهابية… وهذا كله ما كان ليتحقق لولا وجود هذه الحكومة ولولا بالذات لو لم يكن على رأس وزارة الداخلية وزير يتمتّع بالشجاعة، شجاعة الرجال، وبالحكمة والصدقية، ألا وهو معالي الوزير نهاد المشنوق.
عوني الكعكي