من استمع إلى خطابي الرئيس بري والدكتور سمير جعجع يومي السبت والأحد الماضيين لا بد أنه أصيب بالإحباط بل ازداد تشاؤما واقتناعا بأن لا أمل في انتخاب رئيس للجمهورية في المستقبل القريب أو حتى البعيد إلّا إذا حدثت معجزة من الله لتنقذ لبنان.
وإذا اعتقدنا انهما ينقلان رسائل لبعضهما فأفضل وصف لهذا الوضع ان حوارهما هو حوار طرشان.
فماذا تضمنت الكلمة الأولى للرئيس نبيه بري؟
غير كلامه المعهود عن الإمام موسى الصدر ورفيقيه وحرب غزة والقضية الفلسطينية بشكل عام فقد تكلم في الشأن السياسي وتحديدا الرئاسي فجدّد دعوته للحوار: «نعود ونؤكد ما طرحناه في 31 آب (من العام الماضي) فالدعوة ما تزال قائمة للحوار أو التشاور ثم دورات متتالية لانتخاب رئيس الجمهورية».
يلاحظ في كلمة الرئيس بري في الشأن الرئاسي جمود موقفه حول دعوته للحوار أو التشاور ومن ثم دعوته لانتخاب الرئيس في جلسات متتالية. وهو موقف اتخذه قبل 31 آب من العام الماضي بل عندما أعلن ترشيحه للوزير السابق سليمان فرنجية ودعا للحوار والاتفاق على إسم الرئيس وتحديدا الوزير فرنجية، وعندما قيل له بأن يسمّي ثلاثة مرشحين أجاب: سليمان فرنجية، سليمان فرنجبة، سليمان فرنجية، ففهم الجميع أن دعوته للحوار هو حول مرشح واحد وتحديدا سليمان فرنجية أو لا رئيس للجمهورية، وكما انتظر النواب أكثر من سنتين لانتخاب مرشح حزب الله، العماد ميشال عون فيمكن أن ينتظروا سنتين بل أكثر لانتخاب مرشحهم سليمان فرنجية، وتأتي كلمة الرئيس بري بعد مرور أكثر من سنة دون أي تبديل في المواقف لتأكيد هذا الموقف.
ولكن الوضع الآن يختلف عما كان عليه عام 2016، فيومها كان مع الثنائي الشيعي جبران باسيل أو بياع الوعود الذي رفع شعار: «أعطوني الرئاسة وخذوا ما تشاؤون» فللرئيس سعد الحريري وعد «بست سنوات كرئيس للوزراء» وكان الحريري أوّل ضحاياه لما واجهه من قبل الرئيس وصهره صاحب الوعد. وثاني ضحاياه هو الحكيم سمير جعجع الذي وعد بنصف الوظائف المسيحية وتنكّر لهذا الوعد في اليوم الأول لوصول عمه للرئاسة. ولربما هذا ما عناه باسيل عندما قال أن الظروف اليوم تختلف عن ظروف انتخاب عمه.
فهل لدى الثنائي الشيعي بياع آخر للوعود يستطيع أن يضيف الى أصواتهم أصوات السنّة والقوات اللبنانية؟
فإذا لم يتيسر للثنائي الشيعي «جبران باسيل» آخر يستطيع أن يضمن انضمام القوات اللبنانية إلى مؤيدي فرنجية فسينتظرون طويلا، ولهذا أقول: لا انتخاب رئيس في المستقبل القريب أو البعيد لأن الحوار بين الجانبين هو حوار طرشان.
بل أن جبران باسيل يدفع حاليا ثمن وعوده الكاذبة التي أطلقها لوصول عمه ولهذا ترفض القوات أي حوار معه والطائفة السنية رغم غياب الحريري تدين أي لقاء معه. فهل نسي جبران قول المثل: «تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت».
هذا ما أردت الإشارة إليه بالنسبة لما تضمنته كلمة الرئيس نبيه بري، ولكن ماذا حملت كلمة الدكتور سمير جعجع؟
كلمة الدكتور سمير جعجع والتي ألقاها بمناسبة يوم المقاومة اللبنانية تحت عنوان «الغد لنا» فكان جديدها مزيدا من التصلّب في مواقفه: «ان السلاح لا يحمي أي طائفة في لبنان، بل الدولة القادرة والمسؤولة»، مشيرا الى ان «الطريق إلى قصر بعبدا لا يمرّ من حارة حريك، أو من بوابة وشروط عين التينة، بل من ساحة النجمة وصندوق الاقتراع»، رافضا أي دعوة للحوار أو التشاور برئاسة الرئيس بري، داعيا إلى حوار في قصر بعبدا بعد انتخاب رئيس للجمهورية، مطلقا شعارا سبق أن رفعه السيد موسى الصدر رافضا فيه أن يتحوّل المظلوم إلى ظالم والظالم إلى مظلوم وفيها تلميح قوي بأن الطائفة الشيعية التي كانت مظلومة يريد الثنائي الشيعي تحويلها إلى ظالمة.
وحيث أن الكلمتان لم تحملا أي جديد بل تأكيد لمواقف سابقة فستبقى المراوحة في الشأن الرئاسي هي سيدة الموقف.
ولكن ما هو دور اللجنة الخماسية ودور الموفد الفرنسي السيد (le Drian) والموفد الأميركي هوكشتاين?
لا أعوّل كثيرا على اللجنة الخماسية ولا على دور الموفد الفرنسي، ولكن التعويل هو على دور الولايات المتحدة، فحزب الله الذي يفرض سيطرته بسلاحه هو صاحب القرار وهو ملتزم بما تطلبه منه إيران، والمعروف أن المفاوضات بين الطرفين الأميركي والإيراني لم تتوقف بين الجانبين في سلطنة عمان رغم تعثّرها أحيانا، وتعوّل إيران على عودة الحزب الديموقراطي للسلطة، وإذا تحقق ذلك فربما نشهد انتعاشا في العلاقات الودية بين إيران والولايات المتحدة ولربما توافق أميركا على انتخاب فرنجية أو أن تضحي إيران بفرنجبة للحصول على مزيد من المكاسب. وها هو رئيسها يعلن عن حاجة إيران لمائة مليار دولار كاستثمارات فيها، فسياسة إيران قائمة على تحقيق مصالحها، وحلفاؤها يتقيّدون بما تطلبه منهم.