IMLebanon

صفقة القرن صفعة للنظام الدولي وميثاق الأمم المتحدة

 

 

لا أستطيع أن أخفي مشاعر التقزز الذي شعرت بها لتقاسيم وجه الرئيس الأميركي التي كانت تبرز عجرفة كريهة، ومشاعر تحقيرية لا تخفى للعرب والفلسطيننين وأيضا تبجحا وتزلفا مقيتا لإسرائيل واليهود الملتزمين الإيديولوجية الصهيونية. كما لا أستطيع أن أخفي ما شعرت به من أسى لذكرى عظماء من أميركا قدموا للعالم مفاهيم الحضارة الحديثة ولاسيما مبادئ حقوق الإنسان والديموقراطية وميثاق الأمم المتحدة.

 

كم أن هذه الصفقة هي تعبير عن ازدراء للنظام الدولي والأمم المتحدة ونظام حفظ الأمن والسلم الدوليين. هو إعلان أن القبضة تقبض على الأخلاق والقانون والمصالح. لكنها تنسى أن القوة لم تكن يوما هي السبب الحاسم في تقرير المصير بل هي إرادة الشعوب المعنية. وما أخشاه أن هذه الصفقة لم تقم على أساس عامل القوة فحسب، بل هي نجمت عن واقع الانقسام والتشتت الذي تمكن أعداء القضية الفلسطينية من تحقيقه خلال السنوات القليلة الماضية.

 

نعم شعرت بقرف لا يقل عن قرفي لتعابير وجه الرئيس المتعجرف وووجه شريكه نتنياهو، قرف نحو نفسي لأنني انتمي إلى مثل هذا المجتمع المريض. في هذه اللحظة شعرت بالخزي والعار لما أوصلنا إليه صلف قاداتنا لدرجة أن الرئيس الأميركي وقف بكل فرح مع ربيبه الصهيوني نتنياهو يتصافحان بأيدي تملؤها دماء شعوبنا التي سفكناها بأيدينا لخدمة مشاريعهم تحت غطاء الشعارات والثرثرات الواهية. في الماضي لم يكن يتم أي أمر بشأن فلسطين بدون شريك عربي، أما اليوم فقد سقط الشريك لأن فلسطين لم تعد قضية قومية، بل صارت قضية دينية وقضية شعب محتاج لمنزل ومأكل وشراب.

 

حملتم الكراهية الدينية معتقدين أن مقاومتكم البلاغية وتصديكم الورقي وصمودكم في الأقبية تحت الأرض سيحفظ فلسطين القضية. هذه هي ثمرة كتاباتكم على أوراق لا تحصى من تعابير التحدي والتخوين وترويج الكراهية وتوزيع الاتهامات. تشتتنا وضاعت وحدتنا ولم يعد لنا اعتبار في سجلات الحقوق والشرعية الدولية بل صرنا دولا تتقاسمها مصالح المستفيدين من حولنا.

 

لطالما قلت في كتاباتي أن السلطات العربية ومنها السلطة في لبنان، هي التي رسمت وترسم نهاية القضية الفلسطينية وليست قوة أميركا وإسرائيل. وأنا أخشى أن تستمر هذه السلطات بدورها لاسيما وأننا نرى في بلدنا، مجتمعا مريضا مصابا بالانفصام والعقد النفسية المختلفة. فمن ناحية يصرخ جوعا، ومن ناحية أخرى يزحف على بطنه إلى الزعامات حتى صار الأمر ثقافة مقيتة للاستسلام والخضوع. كم هو مؤلم هذا التزمت وتمسك بالناس في مختلف المناطق ب»زعمائهم» مهما كانت النتائج.

 

يصرخ هذا المجتمع، بين الحيطان المغلقة، من استلاب حريته وقراره الوطني ورهن بلده لقوى وإيديولوجيات خارجية، ثم يبرر خوفه من رفع صوته بحجج واهية كالمقاومة وغيرها، وهو يدرك تماما مدى التمزق والتشتت الذي أصابنا من جراء هذه الإيديولوجيات المقيتة وأنهك قوانا وفتت قدراتنا وسمح لعدونا بالتغلغل في كل مفاصلنا.

 

أخيرا لا أخفي كم شعرت بالسخرية عندما سمعت المقدمة «الثورية» لنشرة أخبار تلفزيونية   هذه الليلة حيث صرخ مقدمها أخيرا، بأن لا حل إلا ب»الحياد الإيجابي». لكن تأخرتم ايها السادة فالسم صار في كأسنا. كتبت وكتبت وكتبت بهذا الأمر، وألقيت المحاضرات وأجريت المقابلات لكن لم تستفق المحطة «الثورية» إلا اليوم! غريب. ترى ما الذي جعلها تستفيق؟ أنا أفهم الآن أن الذي يطبخ لنا أكلنا من الخارج قد بدأ يضع هذا الصحن أمامنا.

 

فلسطين ضاعت لأن رب البيت لم يبن بل خرّب البيت. وما لم يبن رب البيت فعبثا يبني البناؤون.

 

تصبحون على وطن.