IMLebanon

موت 14 و8 آذار

تُعيد التطورات الأخيرة في الملفّ الرئاسي فرز القوى السياسية اللبنانية من جديد. محوران جديدان يتشكّلان في البلاد مع النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية وضده، على أنقاض 8 و14 آذار

بعد 11 عاماً على فرز اللبنانيين والقوى السياسية بين «8 آذار» و«14 آذار»، تعيد التطوّرات الأخيرة للاستحقاق الرئاسي ونيّة الرئيس سعد الحريري ترشيح النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، رسم مشهد فرز جديد بين اللبنانيين في شبه معسكرين أو جبهتين جديدتين، تتداخل مواقف أطرافهما في العناوين السياسية الكبيرة، وتنفرز فرزاً حادّاً حول الملفّ الرئاسي والتركيبة المقبلة للحكم المنتظر.

رسم اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتظاهرتا 8 و14 آذار 2005 الشهيرتان، معسكرين حادّين في لبنان، وبقي عنوان الانقسام بينهما لسنوات حول العلاقة مع سوريا والنظرة إلى سلاح المقاومة، قبل أن تعزّز الحرب السورية انقسام اللبنانيين بين مؤيّد للدولة السورية ومعارضٍ لها. غير أن خلط الأوراق الأوّل لعبه الحريري، حين رمى في حضن النائب سليمان فرنجية ترشيحه إلى رئاسة الجمهورية قبل نحو عام، قبل أن يكمل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع «دقّ الإسفين» بـ«ورقة إعلان النوايا» مع التيار الوطني الحر، ثمّ بترشيح عون لرئاسة الجمهورية.

محور القوات ـ عون ـ الحريري مقابل محور بري ـ فرنجية ـ جنبلاط

وإذا كانت الأشهر الماضية قد باعدت بين بعض الحلفاء في 8 آذار وعون، وكذلك بين الحريري وباقي حلفائه في السياسة في 14 آذار، فإن خطوة الحريري الأخيرة وإعلان ترشيح عون بشكل رسمي، قد تعبّر ــ متى حصلت ــ عن لحظة الموت الفعلية لمعسكري 8 و14 آذار، لحساب المعسكرين الجديدين، اللذين لا يزالان في طور التشكّل، مع أن الفرز السياسي القديم والتزام القوى بالمواقف الاستراتيجية حول سوريا والمقاومة وموقع لبنان في الإقليم لم يتغيّرا، حتى اللحظة.

وبالنسبة إلى أكثر من مصدر سياسي بارز، بات التحالف بين الرئيس نبيه برّي وفرنجية يشكّل عماد المحور الأوّل الذي يجتذب إليه العديد من القوى الأخرى، فيما يشكّل تحالف القوات ــ التيار الوطني الحر ــ تيار المستقبل المعسكر المقابل، ليبقى حزب الله في المدى المنظور جسر اتصال، بوجود حلفاء له في المحورين.

ويجتذب معسكر برّي ــ فرنجية بشكل رئيسي النائب وليد جنبلاط والرئيس نجيب ميقاتي. فميقاتي كان واضحاً أمام وفد التيار الوطني الحرّ بمعارضته انتخاب عون، وكذلك بتحالفه القديم ــ الجديد مع فرنجية، فضلاً عن كون خصمه اللدود، سعد الحريري، في المحور المقابل.

أمّا النائب جنبلاط، فإن كان لا يزال يدوّر الزوايا في تصريحاته أو تصريحات ممثّلي الحزب التقدمي الاشتراكي ونوّابه، فإنه أبلغ من يعنيهم الأمر أن عدداً ليس بقليل من نوّاب كتلته غير مقتنع بالإدلاء بصوته لمصلحة عون، في تخريجة دبلوماسية لموقفه الحقيقي، وهو وقوفه إلى جانب حليفه الدائم بري، في السرّاء والضرّاء.

ولا يبتعد موقف الحزب السوري القومي الاجتماعي والنائب طلال أرسلان وحزب البعث عن موقفي فرنجية وبرّي، ما دام عون قد حالف القوات اللبنانية، مع أن الثلاثة يستمهلون إعلان الحريري رسميّاً ترشيح عون وحصيلة الاتصالات السياسية التي ستلي الإعلان، قبل التعبير عن المواقف بشكل نهائي. وتؤكّد مصادر القومي وأرسلان أن المطلوب الآن هو الإتيان برئيس توافقي والعودة إلى طاولة الحوار لإنتاج حلّ توافقي، يضمن للرئيس المقبل ولمختلف الأطراف شبكة أمان للحكم، في موقف يتماهى مع موقف بري، لكن أقلّ وضوحاً.

كذلك، لا يجد حزب الكتائب نفسه في محور عون ــ الحريري ــ جعجع، بل على العكس، دُفع به إلى المحور المواجه. وعلى ما تقول مصادر عين التينة، فإنه لا يمرّ يوم من دون أن يؤكّد الكتائبيون فيه دعمهم لبرّي، بعد أن شعروا بتخلي الحريري عنهم. ويردّد الكتائبيون أنهم «دفعوا ثمن وقوفهم إلى جانب الحريري شهيدين، هما الوزير بيار الجميّل والنائب أنطوان غانم، ليقوم في نهاية الأمر بترشيح فرنجية ثم عون».

ومن أقصى قوى 8 آذار إلى أقصى قوى 14 آذار، يشكّل محور فرنجية ـــ برّي متنفّساً للعديد من الشخصيات المسيحية المستقلة، التي وجدت في ترشيح الحريري لفرنجية ثمّ لعون تخليّاً عنها، وتركها وحيدةً في الساحة المسيحية أمام تحالفات عون والقوات الانتخابية، بدءاً بالوزير بطرس حرب وليس انتهاءً بالنائب روبير غانم.

وفي ظلّ هذا الانقسام الجديد، سيكون مسار انتخاب عون سهلاً، بالمقارنة مع سيناريوات تسمية رئيس الحكومة الجديدة والتشكيلة الوزارية المقبلة وتوزيع الحقائب، التي بات رهان معارضي عون عليها، ما دامت الحسابات الانتخابية قد حسمت فوز عون في جلسة الانتخاب.

وإذا كان الحريري لا يزال يواجه صعوبات في إقناع كتلته وشارعه بخيار عون، أملاً منه في الوصول إلى رئاسة الحكومة، فإن حزب الله الذي ضمن بتصلبّه ترشيح عون من قبل خصومه، سيواجه صعوبة كبيرة في إقناع حلفائه بتسهيل وصول الحريري إلى رئاسة الحكومة (مع أن حزب الله لم يقدّم ضمانات بالضغط على حلفائه لتسمية الحريري)، ما دام عون مستقيلاً من هذه المهمّة حتى الآن، وما دام برّي قد أبلغ الحريري رسميّاً عدم استعداده لتسهيل تسميته رئيساً للحكومة ولا في تشكيل الحكومة المقبلة.

ومع أن حساب أصوات نوّاب التيار الوطني الحرّ والمستقبل والقوات وحزب الله يضمن انتخاب عون رئيساً، لا تغيب عن الحسبان رغبة فرنجية وبرّي في منازلة ديموقراطية في مجلس النواب مع المحور الآخر، بمعزل عن النتيجة. حتى إن الرهان على وجود جنبلاط وأرسلان في جبهة واحدة رافضة لعون، يشكّل فرصة أمام المعارضين للقول إن «الطائفة الدرزية» بأكملها ونصف «الطائفة الشيعية» على الأقل، يعترضان على رئاسة عون، ما يفتح الباب أمام الحديث عن «الميثاقية»، بصورة عكسية هذه المرّة.