مات الإرهابي العالمي أبو بكر البغدادي (إبراهيم عواد إبراهيم علي البدري السامرائي) كما تعلن موسكو أو لم يمت، ستأتي لحظة كتلك التي جاءت أسامة بن لادن ويتمّ قتله قصفاً أو قتلاً، هذه النّماذج الإرهابيّة غالباً ما تتمّ تصفيتها حتى لا تفضح المستور من أمر مشغّليها، الثّابت أن تسعة قرون من تاريخ المسلمين في الموصل سوّيت بالأرض مع تفجير المسجد النوري الكبير بمنارته الحدباء التي وجدت مكاناً لها في الأساطير الشعبيّة الموصليّة، ربّما اهتمّت وسائل الإعلام بخبر مقتل البغدادي أكثر بكثير من تفجير داعش لمسجد النوري، خصوصاً وأن سيرغي لافروف تولّى بالأمس عمليّة تأكيد موت البغدادي، روسيا محتاجة إلى صورة الدولة التي تحارب الإرهاب، تماماً مثلما احتاجت أميركا إلى عمليّة مقتل بن لادن، مع أنّ الدولتيْن العظمييْن تموّلان على مدار الساعة قتل مئات الأبرياء والمدنيين حول العالم، ثمّ تختصران الإرهاب في “شخص”!
لم تشفع كلّ المرويّات الشعبيّة الموصليّة في إنقاذ المنارة الحدباء، هكذا استطعنا أن نفهم معنى قول “أصبحت أثراً بعد عيْن”، طبعاً التباكي على التاريخ جزءٌ من موروثنا الوجداني، مع أنّ تاريخ المساجد المقدّسة في الإسلام شهد استباحات كبرى من المسجد الحرام إلى المسجد النبوي إلى المسجد الأقصى، قد تكون اليونيسكو انزعجت وانفعلت تأثراً لتهدّم المنارة الحدباء لأنها كانت على لائحة التراث الإنساني العالمي المهدّد بالانهيار بسبب الإهمال، وسيقيّض الله للمسجد النوري من يُعيد بناءه، ولكن من دون منارة حدباء تشهد على تاريخ تسعة قرون من عمر العراق!
حتى إيران كان لها مساهمتها قبل داعش في استهداف المنارة الحدباء خلال فترة الحرب العراقية ـ الإيرانية إذ تحطّمت أنابيب المياه تحت الأرض وتسبّبت في تسرّب أدى إلى اضعاف بنية المنارة. ازداد احتداب المئذنة منذ تلك الفترة بحوالى 40 سنتيمتراً!!
لم تشفع الحكايا الخرافيّة الشعبيّة لتلك المنارة، نسفتها داعش مع المسجد من دون أن يرفّ لها جفن، ولم يجد عباقرة تفسير ثقافة القتل والتدمير في هذا الحدث سوى أنّ داعش أعلنت هزيمتها بهذا التفجير، وللمفارقة الحكايا الشعبيّة في الموصل منها ما يجنح إلى السُنّة وإلى الشيعة وإلى المسيحيّة، في “تشكيلة” تعايش الأديان في الموصل، فهذه قصة تحكي أنّ الخضر (عليه السلام) مرّ بالمنارة فمالتْ خجلاً منه، وأخرى تحكي أنّ الإمام عليّ جاء لزيارة حفيده عليّ الأصغر فانحنت المنارة احتراماً له، ويستدلون على هذه القصة الشعبيّة باسم منطقة (دوسة علي) المجاورة، وقصّة أخرى خرافية تدّعي أنّه لما أسري بنبيّنا محمد ( صلوات الله عليه) مرّ بالموصل فانحنت المنارة له، أما القصة الشعبية لمسيحيي الموصل فتقول إنّ المنارة انحنت للسيّدة مريم العذراء (عليها السلام) والتي يُقال إنها مدفونة قرب أربيل، أي باتجاه ميلان المنارة، كلّ هذه المروّيات الشعبيّة التي أعطت للمنارة دورها في الوجدان الشعبي تطايرت لحظة تناثرت حدبة المنارة في وجه العالم، الذي يلتزم الصمت تجاه مجزرة كيماوي في الغوطة أو مجزرة تراث في الموصل!
ماتت المنارة الحدباء إلى الأبد، عشرات المنائر لن تعوّض ذلك السر الذي ذهب معها وشغل بال المهتمين بالعمارة والتراث منذ قرون، المحزن أنها تهدّمت في زمن امتهن تدمير المنارات الحجريّة والبشريّة على يد أمثال أبي بكر البغدادي وأسامة بن لادن وكلّ التنظيمات والأنظمة الإرهابيّة في العالم ومن يقف وراءها!