الصور متشابهة. لكن السؤال هو: أين دمشق التي استقبلت ستيفان دي ميستورا من دمشق التي استقبلت كوفي انان ثم الاخضر الابراهيمي، حيث لا أحد يعرف عدد الموفدين الدوليين على لائحة الاستهلاك في حرب سوريا؟ أين سوريا اليوم من سوريا في ربيع ٢٠١١ عندما بدأت التظاهرات السلمية للمطالبة بالاصلاح الديمقراطي؟ وهل بقي على الارض المقسمة بين رئاسة وخلافة وإمارات موقع لبيان جنيف عام ٢٠١٢ خارج الكلام على حل سياسي، وسط العمل لحلول عسكرية؟
دي ميستورا يتصرف كأن المتغيرات فتحت امامه نافذة فرصة كانت مغلقة امام انان والابراهيمي. فالكل يوحي ان ساعة الحل السياسي دقت، بعدما وصلت الخيارات العسكرية الى نهاية الطريق المسدود وكثرت خطوط التماس على الخارطة. اميركا التي راهنت على استنزاف القوى وتوظيف داعش في إحداث صدمة لمن راهنوا عليه عادت الى التقارب مع روسيا. موسكو تكرر الحديث عن ضرورة الذهاب الى جنيف-٣. دمشق تريد الذهاب الى موسكو -٣. وتطلب من دي ميستورا الذي يتحرك من أجل جنيف-٣ ان يبقى على تشاور معها ويأخذ في الاعتبار ما حدث في مفاوضات موسكو. والقاسم المشترك بين الأحاديث هو اعتبار بيان جنيف قاعدة الحل السياسي.
لكن بيان جنيف-١ لم يكن مصمما للتطبيق، كما اكتشف انان الذي طلبه ثم استقال، وكما اكتشف الابراهيمي في جنيف-٢ قبل ان يستقيل. وليس لدى اللاعبين الذين جاؤوا بعد جنيف وسيطروا على اكثر من نصف مساحة سوريا سوى الرفض القاطع لأي حل سياسي. فلا زعيم داعش ابو بكر البغدادي الذي اعلن نفسه خليفة يريد سوى مبايعته. ولا زعيم جبهة النصرة التابعة للقاعدة ابو محمد الجولاني اعلن ما هو اقل من اننا لا نعترف بكل مؤسسات الدولة الحديثة من دستور مدني وانتخابات وديمقراطية وجيش بعقيدة وطنية.
ولولا الهرب من الحل السياسي لما وصلت سوريا الى هذا الوضع الخطير. واذا استمر الجدل حول الاولوية، وهل هي للحل السياسي ام للحرب على الارهاب، فان النتيجة هي العمر الطويل للارهاب وموت الحل السياسي. والتجارب ناطقة في العراق وسوريا وليبيا: الحل السياسي الذي يقيم نظاما ديمقراطيا تعدديا معبرا عن الوحدة الوطنية هو الضمان لنجاح الحرب على الارهاب. اما محاربة الارهاب في ظل الاقصاء السياسي عن المشاركة وتوظيف العصبيات المذهبية وتجميع المتطرفين من كل البلدان، فانها وصفة للفشل وتدمير العمران والنسيج الاجتماعي الوطني.
وليس خارج وحدة سوريا ارضا وشعبا سوى خيارات سيئة وخطيرة وخطرة.