أظهرت جلسات الإنتخاب الثلاث التي جرت حتى الآن في مجلس النوّاب، فضلاً عن الجلسة التي عُقدت الخميس من أجل تلاوة رسالة رئيس الجمهورية المنتهية ولايته العماد ميشال عون أنّ البرلمان يتألّف من مجموعات نيابية طائفية وحزبية متصارعة. كما وأنّ أي من هذه المجموعات، وإن كان يُمكنه من خلال بعض التحالفات أن يحظى بـ 65 صوتاً نيابياً، إلّا أنّه لا يُمكنه تأمين نصاب الثلثين الذي تفرضه المادة 49 من الدستورالتي تنصّ على الآتي: “يُنتخب رئيس الجمهورية باقتراع السرّي بغالبية الثلثين من مجلس النوّاب في الدورة الأولى (أي 86 نائباً من أصل 128 نائباً وهو عدد المجلس الحالي)، ويُكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الإقتراع التي تلي”. الأمر الذي يجعل التوافق بين الكتل النيابية أساسياً لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، وإلّا فإنّ فترة الشغور الرئاسي بعد عون ستطول. ولكن ماذا عن المرشّحين لرئاسة الجمهورية، مع عدم بروز سوى إسم النائب ميشال معوّض بأعلى نسبة تصويت قاربت الـ 40 صوتاً، وسليم إدّة ود.عصام خليفة وسواهما بنسبة أقلّ، سيما وأنّه ليس من مادة في الدستور اللبناني، تنصّ على ضرورة ترشّح الشخصيات المسيحية المارونية لهذا المنصب؟
فقد درجت العادة في لبنان، أو العرف على انتخاب رئيس الجمهورية من الطائفة المسيحية المارونية، من دون أن يُذكر ذلك في الدستور، فضلاً عن ترشّح علني وشفهي لبعض الشخصيات التي تطمح لهذا المنصب. وبعد دخول البلاد في فترة الشغور الرئاسي، بعد انتهاء عهد عون في 31 تشرين الأول الفائت، لم تظهر حتى الآن أسماء المرشّحين الفعليين للرئاسة، على ما أكّدت مصادر سياسية مطّلعة، إذ لا يزال كلّ حزب يتحفّظ على إسم مرشّحه، ولا يعلنه، بحجة أنّه لا يريد “حرقه”، فيما لا بدّ من بدء طرح الأسماء في جلسات الإنتخاب، لغربلتها، ولبقاء المرشّحين الذين يحصلان على النسب الأعلى من أصوات النوّاب.
وتقول بانّ السجال الأخير الذي حصل في مجلس النوّاب الخميس المنصرم خلال جلسة مناقشة رسالة عون، عن استقالة الحكومة، واحتمال سحب التكليف من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بين رئيس تكتّل “لبنان القوي” النائب جبران باسيل، وعضو كتلة “الجمهورية القويّة” النائبة ستريدا جعجع أثناء مداخلة باسيل عن اعتماد ترشيح المسيحي الذي اختارته الناس لرئاسة الجمهورية، إذ قاطعته جعجع بالقول: “إيدنا بزنّارك يلا إمشي بسمير جعجع”، أظهر أنّ ثمّة رغبة حقيقية لدى الحزبين بترشيح كلّ من رئيسيهما لرئاسة الجمهورية. فباسيل يرغب بذلك، ويُحاول تقطيع الوقت من خلال اعتماده وتكتّله على إسقاط “الورقة البيضاء” في صندوق الإقتراع خلال جلسات انتخاب الرئيس في مجلس النوّاب، علّه يتمكّن من إقناع الخارج والداخل به كمرشّح جدّي للرئاسة، رغم العقويات الأميركية عليه. وإذا تمكّن من ذلك، فلن يتردّد بأن يُعلن عندها ترشّحه الرسمي للرئاسة، من دون انتظار ردود الفعل عليه، إذ أنّه يسعى منذ الآن الى مناقشة هذا الطرح مع بعض الكتل والأحزاب، لا سيما المسيحية منها، لاستشفاف موقفها منه.
كذلك، فإنّ كلام النائبة ستريدا أظهر نيّة “القوّات اللبنانية” بترشيح رئيسها سمير جعجع للرئاسة، رغم عدم إعلانه الرسمي عن رغبته بذلك، على ما أضافت المصادر نفسها، وإن كان متأكّداً من أنّ الفريق الآخر لا يؤيّد ترشّحه هذا ولا وصوله الى القصر الجمهوري. والجميع يعلم صعوبة مثل هذا الأمر من دون موافقة الأحزاب المسيحية الأخرى، ومن ضمنها “لبنان القوي”، فضلاً عن “الفيتو” الذي قد يوضع في وجهه من قبل بعض الأحزاب لا سيما “حزب الله” الذي يرفض رفضاً قاطعاً ما اقترحه جعجع لرئاسة الجمهورية أي “رئيس المواجهة والتحدّي”، وليس رئيساً توافقياً وعلى مسافة واحدة من جميع الأحزاب والأطراف، على ما يُفترض أن يكون عليه رئيس الجمهورية.
أمّا أن يتمّ طرح إسم النائب ميشال معوّض، على أنّه مرشّح “القوّات اللبنانية”، على ما أشارت، فهو أمر كفيل لوحده بأن يتمّ رفضه من قبل النوّاب الذين يرفضون إمّا وضع يدهم بيد جعجع، أم الذين لا يُوافقون على “رئيس المواجهة” الذي يريده للمرحلة المقبلة من عمر الوطن. فيما لا يزال يحتفظ “حزب الله” بإسم رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية كمرشّح ممكن أن يدعمه من خلال التصويت له، في حال اقتنع النوّاب الآخرون به، وعلى رأسهم باسيل وتكتّله، ومن ثمّ بعض النوّاب المستقلّين الذين يقفون الى جانب الحزب، فضلاً عن بعض النوّاب التغيريين.
وتساءلت المصادر عينها: لماذ يتمّ تقديم طلب للتقدّم من أي وظيفة في الدولة اللبنانية (وفي خارجها أيضاً)، كما تقديم طلبات الترشّح لمجلس النوّاب، ولا يُعتبر الطلب مقبولاً ما لم ينضمّ المرشّح، بحسب القانون الإنتخابي الحالي، الى لائحة إنتخابية، فيما لا ينصّ الدستور اللبناني على ضرورة الترشّح لرئاسة الجمهورية؟ كذلك فإنّ ثمّة مواصفات معيّنة مطلوبة للتقدّم الى المنصب النيابي أو الى رئاسة البلدية، أو الى المخترة وسواها من المناصب والوظائف العامّة، مثل أن يكون لبنانياً منذ أكثر من عشر سنوات، وتجاوز الـ 21 سنة من عمره، ومتعلّماً وغير ذلك… فيما يخلو الدستور من مادة تنصّ على ضرورة التقدّم بطلب الترشّح الى رئاسة الجمهورية، وتُحدّد المواصفات المطلوبة التي يجب أن يتمتّع بها كلّ مرشّح متقدّم للمنصب الأول في الدولة.
ولفتت الى أنّ النائب نديم الجميّل قد تقدّم الى مجلس النوّاب أخيراً باقتراح قانون حول هذا الأمر أي عن ضرورة التقدّم بطلبات الترشّح لرئاسة الجمهورية. وعلى المجلس النيابي دراسة هذا الإقتراح بشكل جدّي، في ظلّ الفوضى التي تشهدها جلسات انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية بسبب عدم الإعلان عن أسماء المرشّحين، واستبدالها من قبل النوّاب التغييريين والمستقلّين، وحتى نوّاب الكتل النيابية الكبيرة، بـ “ورقة بيضاء”، أو بتسميات عدّة مثل “لبنان الجديد”، و”العوض بسلامتكن” وسوى ذلك من العبارات، في ظلّ الإحتفاظ بأسماء المرشّحين الفعليين.