Site icon IMLebanon

إعلان النوايا… وويلات «صراع الإخوة»

 

بين «لبنان القوي» و«الجمهورية القوية» قوة تعطيل لا تُصرف إلا في مواجهة سليمان فرنجية. لكن في المقابل، هل معادلة «الرئيس القوي» ستكون وحدها معيار اختيار الرئيس المقبل، في ظل مشهد سياسي – نيابي لا يحجب التأثيرات الإقليمية والدولية؟

في 18 كانون الثاني 2016، تأبط سمير جعجع ذراع ميشال عون مرحّباً به في ربوع معراب. كانت تلك الزيارة الأولى، وعلى الأرجح الأخيرة، التي يقوم بها عون إلى «إمبراطورية جعجع». الغاية تبرّر الزيارة. فهي مهّدت طريق بعبدا أمام الجنرال بعد ثلاثة عقود من الانتظار.

في مثل هذه الأيام من العام 2015، كان سمير جعجع يردد من الرابية، بعد «إعلان النوايا» بينه وبين عون: «كنت أقول للجنرال يا ليت حصل هذا الاجتماع قبل 30 سنة ولكن الأفضل أن يأتي اللقاء متأخراً من ألا يحصل أبداً».

ما سُمّي «إعلان النوايا» ببنوده الـ 16، بقي في معظمه حبراً على ورق أو نوايا غير قابلة للتحقيق، لكن الأساس، أقله لمن وضع هاتين القوتين المسيحيتين الأبرز على سكة المصالحة، أن العودة إلى الوراء «ستكون صعبة ليس بقوة إرادة التيار أو القوات إنما بقوة شارع مسيحي يريد طي صفحة من صفحات الماضي المسيحي المؤلمة».

مع وصول ميشال عون إلى قصر بعبدا، دخل «إعلان النوايا» مرحلة جديدة، سمتها البارزة، استعداد هذا الطرف أو ذاك للتنصل من مفاعيل تفاهم سياسي خطي يقول الطرفان إن بنوده «لا بد وأن تنشر في يوم من الأيام».

تمثل الانقلاب الأول، في تخطي التيار الوطني الحر للاتفاق القاضي بحصول الطرفين على مقاعد وزارية متساوية في الحكومة الأولى للعهد (حكومة تصريف الأعمال الحالية). لذلك، بكّر حزب القوات في خوض معركة المقاعد الوزارية في حكومة ما بعد الانتخابات، وأول الغيث السعي إلى إحياء اتفاق كانون الثاني 2016. هذه المرة سيكون من الصعب التغاضي عن هذا المطلب، في ظل سيطرة القوات على كتلة متجانسة من 15 نائباً، مقابل كتلة نيابية تضم 18 نائباً ينتمون إلى التيار الوطني الحر.

صحيح أن جبران باسيل هنأ «الأخ الذي كبُر» بهذه النتيجة، إلا أن ذلك يخفي خلفه مزاجاً مسيحياً لم يحسب العونيون حسابه. لا يكفي أن تتحدث مراراً وتكراراً عن العهد وكتلته الداعمة حتى تحصل على الغالبية أو تمنع الأصوات عن خصومك. القوات اعتمدت خطاباً ناجحاً تمثّل في التأكيد على أولوية المصالحة المسيحية، فيما ذهب العونيون إلى رجم كل معارض، واتهامه بمواجهة رئاسة الجمهورية، أو بالسعي إلى الانقلاب على العهد، كما قال باسيل.

من يبحث عن أسباب الفوز الهزيل الذي حققه العميد شامل روكز في كسروان معقل الموارنة، على سبيل المثال لا الحصر، يمكنه أن يحصي الكثير منها، كعدم انتمائه إلى كسروان وابتعاده عن الخطاب الإنمائي ومحاربة باسيل له من قلب «التيار» وتشتت الأصوات العونية بين أكثر من مرشح… ولكن من الأسباب أيضاً استعادته بعض خطاب زمن الحرب الأهلية، وتذكيره ببطولات الجيش في الحرب مع القوات، (مثل تطرقه في خطاب انتخابي إلى معركة القليعات، التي قال إنه كان يستطيع خلالها أن يقتل كل العسكريين القواتيين لكنه لم يفعل بسبب الخطوط الحمراء). خطاب نبش القبور واستعادة الحروب المسيحية – المسيحية يمكن أن يشد عصب فئة محدودة هي في الأساس من المحازبين، لكن السواد الأعظم من المترددين، والذين أظهرت الانتخابات أنهم قوة فاعلة بين المسيحيين، بل ربما تصل إلى 75 في المئة منهم، ليست مستعدة لسماع خطاب «حربجي»، كما أنها ليست مستعدة لتذكّر ويلات «حرب الإخوة». استغل حزب «القوات» ذلك جيداً. وإلا من أين يمكن لشوقي الدكاش أن يحصل في كسروان على عشرة آلاف صوت، ويحل في المرتبة الثانية في كسروان خلف نعمة افرام؟ «قائد الصدم» في زمن «حرب الإلغاء» بيار جبور كان رده على روكز محبوكاً بعناية: «إن صفحة حرب الإلغاء طويت ولا عودة إلى الوراء، وكرّسنا المصالحة التاريخية باتفاق معراب وأنهينا ذيول المآسي في مجتمعنا المسيحي»، داعياً إلى أخذ العبر والانطلاق إلى المستقبل وعدم الانجرار لهذه الحملات.

بطبيعة الحال، خطاب المصالحة الذي أتقنته القوات جيداً، ولن تخرج منه على الأرجح، يطمئن الفئة المترددة. وقد كررته مراراً، مؤكدة رغبتها في المحافظة على «مصالحة معراب». أخطاء التيار استفاد منها جعجع جيداً. والأخ كبر فعلاً، محققاً نتائج لافتة في كل المناطق التي تعتبر خزاناً للتيار الوطني الحر. لكن ماذا بعد؟

القوات اللبنانية تعرف كيف تستفيد من خطاب المصالحة في الشارع المسيحي

أول الغيث الصراع على المقاعد الحكومية، وعلى الطريق صراع على لقب «القوي». بين «تكتل لبنان القوي» و«تكتل الجمهورية القوية» لا يمكن إلا المرور على «بيي أقوى من بيك». تلك عبارة صبغت صراعات الأطفال بما لا يملكون، وها هو الأمر نفسه يتكرر في صراع الزعماء المسيحيين الساعين إلى إثبات أحقيتهم بلقب المسيحي القوي الذي يحق له أن يكون لاحقاً الرئيس القوي. لكن فات هؤلاء أن طبيعة النتائج، أثبتت بشكل قاطع أن معركة الرئاسة، وإن لا يزال من المبكر النقاش فيها، لن تكون معركة داخلية، ولن يكون للقوى النيابية تأثير كبير فيها. هي في جزء أساسي منها معركة إقليمية ودولية أكثر من أي وقت مضى. حتى الكتل لن تكون خاضعة لموازين قوى مرتبطة بالتحالفات الحالية، خصوصاً مع كتلة غير متماسكة مثل كتلة لبنان القوي، التي يجمعها عنوان دعم العهد.

عندما هنأ باسيل القوات بما حققته في الانتخابات، لم يكن يتجاهل أن الحصة القواتية النيابية جاءت على حساب حصته وحجمه التمثيلي مسيحياً. تركيزه كان منصبّاً على معركة أخرى. مجموع عدد نواب كتلته (29 نائباً) وعدد نواب كتلة القوات (15 نائباً)، فيكون المجموع 44 نائباً للكتلتين. هذا يعني عملياً امتلاك الكتلتين معاً الثلث زائداً واحد من عدد نواب المجلس، بما يؤهلهما، ربما، لإشهار الفيتو في وجه أي فرصة لانتخاب أي ماروني لا يرضيان به، وفي طليعة هؤلاء زعيم تيار المردة سليمان فرنجية، الذي تدعمه كتلة وازنة في المجلس النيابي، رئيساً.

لكن في مقابل هذا الإنجاز الذي لن يُصرف عملياً طالما أن ولاية رئيس الجمهورية تنتهي بعد انتهاء ولاية المجلس الجديد، فإن التسليم بنجاح باسيل بإبعاد فرنجية شكلاً (في الدورة الأولى من أي جلسة انتخاب رئاسية) يفترض، في المقابل، التسليم بتعويم أكثر من منافس على رئاسة الجمهورية، يمكن أن تعلو أسهمه في أي ظرف، أبرزهم جان عبيد وشامل روكز ونعمة افرام وحتى حليفه الجديد ميشال معوض، إضافة إلى المنافس الأبرز أي سمير جعجع.

 

من ملف : المصالحة المسيحية 2018: حرب إلغاء أم صراع «رئيسين»؟