Site icon IMLebanon

تراجُع المؤشرات يُثبت الحاجة الى خطة للإنماء المُستدام

وعد الرئيس الحريري أنه وبإنتهاء البت بقانون الإنتخاب، ستنكبّ الحكومة على العمل على الشق الإقتصادي. هذا الأمر بالطبع يفرض معالجة الأمور الطارئة ولكن أيضًا العمل على خطة إقتصادية تحوي في طياتها مبدأ الإنماء المُستدام لما له من فوائد على الصعد البيئية، الإجتماعية والإقتصادية.

شهدت الأعوام الماضية تراجعا ملحوظا في الوضع الإقتصادي على الأصعدة كافة. فالنمو العام الذي حافظ على مستويات ضئيلة نسبة إلى حجم الإقتصاد اللبناني والذي كان نتاج الإستهلاك أخذ بالتراجع، حيث تُشير الأرقام إلى تردّي في مؤشر الإستهلاك نتيجة تراجع تحاويل المُغتربين اللبنانيين (3% في العام 2016 نسبة إلى العام 2015).

القطاع الصناعي كان من أكثر القطاعات التي تأثرت مع تراجع بنسبة 23% العام الماضي والحال لن يكون أفضل هذا العام. أما قطاع الزراعة فقد تراجع بنسبة 19% في العام 2016 نتيجة إغراق السوق اللبناني بالبضائع والسلع الأجنبية. يبقى قطاع الخدمات الذي ما زال يُحافظ على تقدّم مقبول لكن التوقعات تشير الى تراجع نمو هذا القطاع من 10% في العام الماضي إلى أقل من 3% هذا العام.

على صعيد المالية العامّة، يبقى العجز في الموازنة المُشكلة الأكبر التي تواجهها الدولة اللبنانية مع عجز 10% في العام 2016 والعام 2017. وهذا الأمر ينعكس بالطبع على الدين العام الذي إرتفعت نسبته إلى الناتج المحلّي الإجمالي من 150% في العام 2015 إلى 158% في العام 2016، ومن المتوقّع أن تتخطّى هذه النسبة الـ 166% في نهاية هذا العام.

يدلّ ميزان المدفوعات على تفاقم وتفقير للدولة والشعب مع عجز بنسبة 21% في العام الماضي وهذا العام أيضا. ويعود السبب في الدرجة الأولى إلى الفرق الهائل بين صادرات – وواردات لبنان إلى ومن الخارج. العام الماضي إرتفع إستيراد لبنان بنسبة 9.7% وهذا يعني زيادة في عجز الميزان التجاري الذي يدخل في حساب ميزان المدفوعات.

على صعيد سوق العمل، التراجع واضح ويتمثّل بالدرجة الأولى بالكمّ الهائل من الشباب الذي يتخرّج من الجامعات من دون أي قدرة على إيجاد فرصة عمل في السوق اللبناني مما يدفعه إلى الهجرة. ناهيك عن التراجع في البنية الخدماتية العامة وعدم قدرة الدولة على حل ملفات ذات طابع حيوي للشعب مثل ملف النفايات وملف الكهرباء.

ماذا يُمكن للحكومة أن تفعل؟

الوضع المالي للخزينة العامّة لا يُعطي هامش تحرّك كبيرا للحكومة وبالتالي سيقتصر عملها على التنظيم وإقتراح مشاريع القوانين. من هذا المُنطلق نرى أن الفرصة مؤاتية لإدخال مفهوم الإنماء المُستدام في خطّة إقتصادية يكون عماد تمويلها القطاع الخاص.

الإنماء المُستدام هو مبدأ يشمل المصلحة العامة إنسحب على الإقتصاد وينص على إكفاء الحاجات الحالية من دون إلحاق الضرر بالقدرة للأجيال

المُستقبلية على إكفاء حاجاتهم.

النظرة الضيقة للإنماء المُستدام تأخذ بالإعتبار البعد البيئي فقط وهذا خطأ فادح لأن الإنماء المُستدام له ثلاثة أبعاد لا تقل أهمية عن بعضها البعض: البعد البيئي، البعد الإجتماعي والبعد الإقتصادي.

هذا الأمر ينسحب على الخطة الإقتصادية للحكومة على الشكل التالي: في تعريف الإنماء المُستدام، تظهر عبارة «إكفاء حاجة الإنسان»، ومن بين هذه الحاجات الحاجة إلى التكاثر وهذا يعني وجوب الإهتمام بقطاع صحّي قادر على الردّ على طلب المواطنين من ناحية الإستشفاء والطبابة.

أيضًا وبحسب هرم ماسلو، هناك الحاجات الفيزيولوجية للإنسان والتي تُترجم بتأمين الحدّ الأدنى من السعيرات الحرارية للمواطن مما يعني وضع خطّة لمحاربة الفقر كما والتعليم وتأمين المسكن.

وبما أن موارد الدولة محدودة وبالتالي لا تستطيع سد حاجات كل المواطنين، فإن هذا الأمر يفرض عليها العمل على تدعيم الماكينة الإقتصادية لتسمح للمواطنين بسد حاجاتهم من خلال عملهم. وبالتالي يتوجّب خلق بنية تحتية من طرقات وكهرباء وإتصالات قادرة على دعم هذه الماكينة كل هذا في ظل تأمين حماية جسدية للمواطنين عبر القوى الأمنية.

بالطبع كل كل هذا يأتي في ظل إحترام البعد البيئي والذي يفرض إستخدام الطاقة المُتجدّدة في الماكينة الإقتصادية بحكم كلفتها الضئيلة بيئيًا. وهذا يعني أن ملف الكهرباء يحتل مكانة مُهمّة في أولويات الحكومة بحكم أهمية الكهرباء في الماكينة الإقتصادية وبحكم الضرر البيئي الذي يُخلّفه إنتاج الكهرباء على الطاقة الأحفورية كما وكلفة الإنتاج العالية.

من هذا المُنطلق، نرى أن إدخال مفهوم الإنماء المُستدام يردّ على حاجة كل المعنيين من مواطنين، حكومة مدافعين عن البيئة، وجمعيات خيرية… وبالتالي من واجب الحكومة الأخذ بالإعتبار الإنماء المُستدام في خطّتها الإقتصادية.

الفوائد لتطبيق الإنماء المُستدام تتجلّى في النقاط التالية:

أولًا – محاربة التغير المناخي والمُحافظة على الطبقة الجوية.

ثانيًا – المُحافظة على التنوّع البيئي وعلى الموارد الطبيعية من مياه وأشجار وغيرها.

ثالثًا – خلق لُحمة إجتماعية وتضامن جغرافي بين سكان الوطن كما وتضامن بين الأجيال.

رابعًا – إدخال عنصر الراحة على الحياة الإنسانية العصرية.

خامسًا – خلق دينامية إنماء من خلال نماذج إنتاجية وإستهلاكية مسؤولة.

وبالنظر إلى هذه الفوائد، نرى أن كل عنصر منها ينسحب على الأبعاد الثلاثة الآنفة الذكر أي البعد البيئي، الإجتماعي والإقتصادي.

يبقى القول أنه وفي بلد مثل لبنان حيث أن البعد السياسي يتحكّم بأوصال الإقتصاد والبيئة والمُجتمع، تأتي سياسة التعطيل وغياب البعد التخطيطي عن السياسات العامّة لتُقوّض أي محاولة لوضع خطّة إقتصادية عمادها الإنماء المُستدام. وبالتالي، المطلوب من الحكومة أن تعّمد إلى خرق هذه العادات السيئة في نظامنا السياسي ووضع المصلحة العامّة فوق كل المصالح الأخرى.