في الوقت الذي كانت فيه الأنظار متجهة إلى مأدبة الإفطار المُوسّعة التي اقامها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا غروب امس الخميس، بدأت بعيداً عن الأضواء تحضيرات بعض الماكينات الإنتخابيّة، لجهة دراسة الواقع الإنتخابي من مُختلف جوانبه وفق مبدأ التصويت النسبي الكامل على 15 دائرة. فما هي الصورة في هذا الصدد، وما هي التقديرات الأوّليّة للنتائج؟
بحسب مسؤول في الماكينة الإنتخابيّة لأحد الأحزاب المسيحيّة الفاعلة، فإنّه في الدورة الأخيرة من الإنتخابات النيابيّة التي جرت في السابع من حزيران من العام 2009 بحسب القانون الأكثري الذي صدر بتاريخ 29 أيلول من العام 2008، تمّ تقسيم لبنان إلى 26 دائرة إنتخابيّة على أساس القضاء، وبلغ عدد الناخبين المُسجّلين على لوائح الشطب 3,266,074 ناخبًا، شكّل المُسلمون منهم 60,3 %، بينما شكّل المسيحيّون 39,7 % منهم. وأضاف المسؤول نفسه أنّه اليوم، وفي حال إقرار القانون الجديد النسبي للإنتخابات، فإنّ الدوائر الإنتخابيّة ستتراجع من 26 إلى 15 دائرة، في الوقت الذي زاد فيه عدد الناخبين المُسجّلين إلى نحو 3 ملايين و700 ألف ناخب، وفي الوقت الذي زادت نسبة الناخبين المُسلمين لتبلغ نحو 64 % في مُقابل تراجع نسبة الناخبين المسيحيّين لتبلغ نحو 36 %. وتابع أنّه إضافة إلى تغيير حجم الدوائر، والإنتقال من قانون أكثري إلى قانون نسبي، وتغيّر عدد إجمالي الناخبين ونسبهم الطائفيّة والمذهبيّة، مُقارنة بما كانت الأمور عليه في دورة العام 2009 الإنتخابيّة، أي قبل نحو ثماني سنوات، حصل تبدّل مُهمّ في طبيعة التحالفات بين التكتلات والأحزاب والشخصيّات السياسيّة، مُتوقّعًا أن تكون لكل هذه الأمور مُجتمعة إرتدادات مهمّة على نتائج الإنتخابات، ستغيّر في حجم الكتل، وستؤدّي إلى دخول وجوه جديدة وخروج أخرى بطبيعة الحال، وقد تُسفر ربما عن تبدّل في التوازنات السياسيّة الداخليّة.
وفي السياق نفسه، توقّعت مصادر سياسيّة مُطلعة أن يشمل التغيير السلبي الأبرز كتلة «تيّار المُستقبل» التي كانت تضمّ في العام 2009، ما مجموعه 34 نائباً من بينهم 16 نائبًا من غير المذهب السنّي، وهي مع القانون النسبي الكامل وفي ظلّ التغييرات المُختلفة التي حصلت، لن تتمكّن من الإحتفاظ بحجمها الحالي في الدورة المُقبلة من الإنتخابات النيابيّة، حيث يُتوقّع أن تخسر عددًا من النوّاب المسيحيّين لصالح «الثنائي المسيحي» إضافة إلى عدد من النوّاب السُنّة لصالح الوزير السابق أشرف ريفي والنائب خالد الضاهر، وكذلك لصالح رئيس «التنظيم الشعبي الناصري» أسامة سعد وربما لصالح الوزير السابق عبد الرحيم مراد. ومن غير المُستبعد أن يبلغ مجموع خسارة كتلة «المُستقبل» نحو 10 نوّاب.
ورأت المصادر السياسيّة نفسها أنّ «التيّار الوطني الحُر» الذي كان يملك كتلة نيابيّة من 21 نائبًا، بينهم 19 نائباً مسيحياً، سيُلامس بكتلته الجديدة سقفاً مرتفعاً يُقدّر بنحو 30 نائباً، إلا في حال تعرّض لخداع من قبل الكثير من الأفرقاء الذين صوّتوا له في دورة العام 2009، والذين يتظاهرون حالياً بأنّهم لا يزالون إلى جانبه. وأضافت أنّه بالنسبة إلى حزب «القوّات اللبنانيّة» الذي كان قد تمكّن من رفع كتلته النيابية إلى ثمانية نوّاب في دورة العام 2009، فمن المُتوقّع أن يُتابع خطّه التصاعدي في حال عدم خذلانه من «الحلفاء»، القُدامى منهم والجُدد، ليحصد نحو 13 أو 14 نائبًا في الإنتخابات المُقبلة. وتوقّعت المصادر السياسيّة نفسها أن لا يقلّ مجموع نوّاب «الثنائي المسيحي» عن 40 نائبًا بالحدّ الأدنى مع قانون النسبيّة الكاملة، علماً أنّ هذه الزيادة المُتوقّعة ستكون على حساب تراجع عدد النوّاب المسيحيّين المُستقلّين أو المحسوبين على كلّ من «تيّار المُستقبل» و«الحزب التقدمي الإشتراكي».
وبالنسبة إلى كلّ من «حزب الله» و«حركة أمل» اللذين يملكان معًا كتلة إجمالية تتكوّن من 26 نائباً، من بينهم نوّاب من المذاهب السنّية والدرزية والكاثوليكيّة، فإنّ خسارتهما المُحتملة لأي نائب من هنا أو هناك، ستعوّض بفوز أكثر من نائب حليف من مُختلف الطوائف والمذاهب ضُمن الخط السياسي العام لقوى «8 آذار»، علماً أنّ الترجيحات الإنتخابيّة تُشير إلى أنّ تحالف «الثنائي الشيعي» مع باقي قوى «8 آذار» سيحصد ما لا يقلّ عن 35 مقعداً نيابياً، طبعاً من دون إحتساب نوّاب «التيار الوطني الحُرّ» الذين لديهم وضعيّة سياسيّة مُستقلّة.
وفي ما خصّ كتلة «جبهة النضال الوطني»، فإنّ التوقّعات بشأنها تُرجّح أن تخسر نائباً أو نائبين بأقصى حدّ، تبعًا لطبيعة التفاهمات التي سيعقدها النائب وليد جنبلاط مع كل من «الثنائي المسيحي» و«تيّار المُستقبل» وغيرهما من القوى السياسيّة. وبالتالي الكتلة التي تضمّ حالياً 11 نائباً، مُرشّحة لأن تكون بحدود 9 إلى 10 نوّاب مع «القانون النسبي»، أي أن لا تغيير جذري في حجم الكتلة التي ستخوض معركة إثبات التفوّق على الساحة الدرزيّة، ومعركة عدم التنازل عن المقاعد المسيحيّة الخمسة التي تُسيطر عليها حاليًا.
أمّا الجهات التي ستُحافظ على الأرجح على حجمها الإجمالي، مع إحتمال زيادة نائب من هنا أو خسارة نائب من هناك، فهي، بحسب المصادر السياسيّة المُطلعة نفسها، كل من حزب «الكتائب اللبنانيّة» و«الحزب السوري القومي الإجتماعي» و«تيّار المردة» و»الحزب الديموقراطي اللبناني» وحزب «البعث العربي الإشتراكي».
وختمت المصادر السياسيّة المُطلعة كلامها بالقول إنّ إجراء الإنتخابات وفق قانون النسبيّة الكاملة سيُحدث تغييرات مُهمّة في حجم بعض الكتل والأحزاب، لكنّ التوازنات السياسيّة الداخليّة العامة مُرتبطة بطبيعة التحالفات التي ستنشأ عشيّة هذه الإنتخابات، وخلالها، وخُصوصًا في المرحلة التي تليها، مع التشديد على أنّ صفحة توازنات الإنقسام السابق بين قوى «8 و14 آذار» ستُطوى نهائيًا مع ختام الإنتخابات المُقبلة.