لم يبقَ من عمر السنة التي اقتربت من الرحيل سوى خمسة أيام، ستكون فيها سياسة ومواقف سياسية ولكن ليس فيها قرارات، لأنَّ لا مجلس وزراء فيها… وطالما أنَّ السياسة والمواقف السياسية موجودة، فإنَّ الخلافات السياسية تنبت كالفطريات، في بلدٍ الإتفاق فيه استثناء فيما الخلافات هي القاعدة.
***
حتّى في يوم عيد الميلاد لم تخلُ المواقف من بذور الخلافات، انطلاقاً من ملفٍّ كان انفجر، على خلفية ما بات يُعرَف بمرسوم إعطاء أقدمية لبعض الضباط الذين كانوا في دورة 1989، حين كان العماد ميشال عون رئيساً للحكومة الإنتقالية ووزيراً للدفاع وقائداً للجيش، لكن إثر عملية 13 تشرين الأول 1990، تمَّ إلغاء الدورة، ولكن بعد تسوية أُعيد هؤلاء إلى الحربية بتأخير سنة. هذه السنة هي التي يطالبون بها وهي التي وقَّع رئيس الجمهورية مرسومها مع رئيس الحكومة سعد الحريري.
الرئيس نبيه بري اعتبر أنَّ المرسوم، ليصبح نافذاً، يجب أن يقترن بتوقيع وزير المال أيضاً، فيما وجهة نظر دوائر قصر بعبدا تقول إنَّ لا لزوم لتوقيع وزير المال، لأنَّ المرسوم لا يُرتِّب أعباء مالية تستدعي توقيع وزير المال.
***
عند هذا الحد بقي الوضع مضبوطاً من دون أيِّ تصعيد، ودخل المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم على خط الوساطة، وكانت عطلة الأعياد فترة مراجعة لاستنباط المخارج لطرحها بعد الأعياد.
لكن حصل ما لم يكن في الحسبان فتسرَّعت التطورات:
رئيس الجمهورية وبعد زيارته لبكركي، سُئِل عن الملف، وأين أصبح؟
فجاء جوابه عالي النبرة وعالي السقف، إذ قال:
سنة الأقدمية التي أعطيناها للضباط، محقّة، وإذا كان من اعتراض لأحد على ذلك فليتفضل إلى القضاء، وسأكون مسروراً كرئيس للجمهورية إذا كسر القضاء قراري. هل تريدون مثولاً أمام القانون أكثر من ذلك؟
واستطرد رئيس الجمهورية متابعاً بنبرةٍ مرتفعة:
الإعتراض يكون في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب، لأنَّ الإعتراض في الصحف ليس صحيحاً، هذا من ناحية المبدأ العام. أما من ناحية المبدأ الخاص المتعلق بوزير المال، فليس من عبء مالي يترتَّب على المرسوم المذكور لكي يوقِّعه. وزير المال يوقِّع كل مرسوم يُرتِّب أعباء مالية على الدولة؟
***
هكذا، في بضع كلمات، انهارت المساعي بين القصر الجمهوري في بعبدا، وبين مقرِّ الرئاسة الثانية في عين التينة، لكنَّ العارفين يعتقدون بأنَّ المسألة أبعد من مجرد مرسوم، الرئيس نبيه بري، حين بلغه ما قاله العماد عون، اكتفى بالقول:
الليلة عيد. لكن هذا التصريح المقتضب جداً لا يعني أنَّ الرئاسة الثانية ليس لديها الرد، بل إنَّ هذا الرد لن يتأخّر، ما يؤشر إلى ربط النزاع بين الرئاستين:
رئيس الجمهورية لا يتراجع عن توقيعه للمرسوم، ورئيس مجلس النواب لن يسكت عن مرسوم غير ممهور بتوقيع وزير المال، ورئيس الحكومة وقَّع المرسوم مع رئيس الجمهورية، لكنه طلب عدم نشره إلى حين انحسار العاصفة.