IMLebanon

هزيمة الغزاة في حلب: بداية تجميد القتال أم تجديده؟

 

في التوصيف، فإن معارك الشمال – بعد الجنوب – السوري غزو أجنبي، وكثير من عمليات الغزو عبر التاريخ تكون مموهة بعناصر «وطنية» تنتمي إلى البلد المغزو نفسه.

لا جديد في القول إن الغرفة العليا، التي تدير العمليات الميدانية في سوريا، مشكّلة من عناصر مختلفة، وإن الكلمة الأولى فيها للضباط الإيرانيين. أكثر من ذلك، فإن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني ذهب بنفسه إلى محيط درعا ليدير الهجوم على الجنوب السوري، بمساعدة من القائد العسكري الأول في «حزب الله» مصطفى بدر الدين (المتهم الأول باغتيال الرئيس رفيق الحريري). والمعلومات مأخوذة من الوسائل الإعلامية التابعة أو المقربة من النظام الإيراني و»حزب الله«.

في التوصيف أيضاً، فإن كلا الهجومين، في الجنوب والشمال، فشلا في احتلال مناطق سورية هامة، رغم الثمن البشري والمادي الباهظ، ورغم الحملة الإعلامية التي رافقتهما في الوسائل الإعلامية التابعة أو المناصرة للنظام السوري، وفي مقدمها وسائل الإعلام اللبنانية، التي تحدثت عن «انتصارات» قبل أن تقع، وعن «تقدم» قبل أن يحصل، وقد كشف الواقع عن نتائج مخيبة.

صباح الثلاثاء الماضي، أطلق إعلام النظام السوري اسم «ساعة الصفر» على الهجوم الواسع الذي شنته قوات إيرانية ولبنانية وعراقية وأفغانية وسورية على محافظة حلب، بهدف فصل المدينة عن ريفها، وقطع طرق إمداد الفصائل المسلحة، وفك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء (المعقل الأهم المتبقي لقوات النظام السوري في ريف حلب)، وقد تحدثت وسائل الإعلام السورية واللبنانية عن «هجوم شامل ومباغت وتقدم سريع» (صحف يوم الأربعاء 18/2 السورية، وكذا اللبنانية القريبة من «حزب الله»)، حتى وصل الأمر ببعض المواقع الإلكترونية إلى الحديث عن دخول مقاتلي «حزب الله» إلى بلدتي نبل والزهراء.

في الواقع، فإن الهجوم «الواسع»، لم يكن إلا عملية تسلل أدت إلى السيطرة لساعات على ثلاث قرى: باشكوي وحردتنين ورتيان انطلاقاً من بلدة سيفات-، لأن الهجوم المعاكس مساء الأربعاء وصباح الخميس أدى إلى تقهقر القوات المتسللة بشكل غير منظم باتجاه باشكوي، وتكبدها خسائر بشرية كبيرة جداً في حردتنين ورتيان، بالمقارنة مع حجم العملية الفعلي.

وفيما لا تزال المعارك مستمرة في باشكوي، يمكن تسجيل جملة من الملاحظات الهامة: 

أولاً: لم يكن المتابع للشأن السوري بحاجة إلى أدلة جديدة لـ»اكتشاف» ارتهان النظام السوري سياسياً وميدانياً إلى إيران، لكن هذا الهجوم على وجه التحديد، أظهر حجم هذا الارتهان بالنِسَب، لأنه أظهر من خلال أعداد الأسرى والقتلى-أن المقاتل السوري بات أقلية في أعداد المقاتلين، ليس على مستوى العناصر فقط وإنما على مستوى ضباط العمليات الميدانيين، مع الأخذ في الاعتبار أن المقاتل السوري موصوف بـ «الضعف» و»الفساد» و»عدم الرغبة في القتال»، من قبل رفيق السلاح اللبناني والإيراني، كما تبث وسائل الإعلام القريبة من «حزب الله» تصريحاً وتعريضاً (بثت قناة أورينت مساء الخميس شريطاً مصوراً لأسير من جيش النظام السوري يتهم عناصر «حزب الله» بالفرار عند اشتداد المعارك في رتيان).

ثانياً: من الواضح أن من خطط للهجوم على ريف حلب لم يكن يتوقع هذه النتيجة المخيبة، وأنه كان يعد نفسه بنصر مؤزر ومصور، استقدم له إعلاميين كبار (قُتل في المعركة حسن حسين عبد الله من بلدة عيترون، وقد نعاه «حزب الله» الأربعاء باعتباره شهيداً قُتل «أثناء تصويره لفيلم وثائقي لقناة المنار في حلب»). بعض المصادر تتحدث اليوم عن العوامل الجوية، علماً أنه يفترض بغرفة العمليات التي خططت وأدارت الهجوم أن تأخذ هذه العوامل في الاعتبار، فيما تقول مصادر الفصائل المناهضة للنظام السوري أن القوى المتسللة استفادت من الضباب ليلة الأربعاء في عملية التسلل. الحصيلة أن التقهقر انعكس انسحاباً غير منظم، تسبب بأعداد وافرة من الأسرى والقتلى، بعدما تُرك بعض المقاتلين في مبانٍ كانوا قد تمركزوا فيها، دون إمداد، لا سيما في رتيان، حيث أسرت «الجبهة الشامية» 17 مقاتلاً، بينهم ضابط في جيش النظام السوري وآخر لبناني من «حزب الله»، على ما أكدت الجبهة التي بثت أفلاماً مصورة توثق ذلك.

ثالثاً: وفق مصادر الفصائل المناهضة للنظام السوري، فقد ارتكب المهاجمون مجزرة بحق المدنيين، في بلدة رتيان أكدها فارون إلى أعزاز- بذبحهم بالسكاكين وقتلهم بالرصاص عشرات المدنيين، بينهم أطفال ونساء، ثم التنكيل بجثثهم، الأمر الذي تسبب بنزوح هائل باتجاه أعزاز وتل رفعت وباقي مناطق سيطرة الثوار.

رابعاً: لا يمكن اعتبار فشل الهجوم على ريف حلب نهاية لتسخين الجبهة الشمالية، بل قد يكون البداية، لأن النظام السوري وحلفاءه يبحثون عن نصر حالياً، بعد خيبتين في الجنوب والشمال، كما أن مبادرة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لا تزال مطروحة، وقد وافق عليها النظام السوري، من دون تحديد وقت لبدء تنفيذها، ويريد بشار الأسد وحلفاؤه فرض وقائع جديدة على الأرض، قبل تجميد القتال في محافظة حلب، بحيث يُجَبر الثوار على القبول بوقف القتال، ما يجيّر أعداداً كبيرة من المقاتلين المدافعين عن النظام السوري إلى جبهات أخرى من جهة، كما يريد أن يفرض واقعاً صعباً على المعارضة السورية، إذا ما نجح فصلُ حلب عن ريفها، وفك الحصار عن نبل والزهراء من جهة أخرى. ومن المتوقع -والحال هذه- أن يستغل تنظيم «داعش» الفرصة ليقوم بمهاجمة الفصائل المعارضة، في مناطق سيطرتهم، ولا سيما أن عداوته لفصائل المعارضة السورية في ازدياد مضطرد، خصوصاً بعد المشاركة في صد هجوم «داعش» على كوباني.

لقد بدأ التفاوض على تبادل الأسرى وفق ما أعلنت قناة «الميادين«، وسحبُ القتلى جارٍ، وتبادل الجثث قد يحصل قريباً. إنه زمن سقوط الحدود، حيث ستكون أصوات فشل الهجوم على حلب مسموعة – في الساعات القليلة القادمة – في غير بلد؛ بيروت وطهران وبغداد… وكابل.