IMLebanon

الانكفاء المهزوم

 

لم يخطئ في الإجمال، من ظن سوءاً بسياسات باراك أوباما الخارجية المنطلقة من فلسفة انكفائية أساسها غير منطقي ولا يتناسب ويتناسق ويتلاءم مع وضعية الدولة الأقوى والأقدر اقتصادياً وعسكرياً في العالم.

ولم يخطئ أيضاً من رأى (ولا يزال) أن تلك السياسات أنتجت عكس المراد منها: بدلاً من ترسيخ أو تعزيز التوجهات التسووية في المنطقة المتوسطية العربية والإسلامية وجوارها القريب المشتمل على جغرافيا تمتد من أفغانستان إلى تركيا، وجوار جوارها المشتمل على جغرافيا تمتد من بحر البلطيق إلى بحر المانش.. أطلقت سياقاً تنافرياً نسف أو يكاد ما سبقه من ركائز وُضعت غداة الحرب العالمية الثانية وترسخت غداة الحرب الباردة!

وصحيح (وصحّي!) الانتباه بمرارة إلى أن أوباما حكى كثيراً عن السلام لكنه أنتج الكثير من الحروب. وجاء لتصفية تركة ثقيلة في أفغانستان والعراق لكنه يورث تركة أثقل وأخطر أكان في هاتين الدولتين، أم في سوريا واليمن! أم في أوكرانيا والمدار الأوروبي عموماً…

وعلى عكس ذلك السياق، أخطأ من لم ينتبه إلى أن هذا الرئيس الثرثار أعطى أولى الإشارات إلى كارثية انكفائيته من خلال تعاطيه مع الموضوع الفلسطيني – الإسرائيلي، بحيث أنه بدأ من هناك ممارسة هوايته المفضّلة (والمكشوفة): هو يحكي وغيره يتصرّف! إلى أن جاء وقت لم يعد فيه اليمين الإسرائيلي الحاكم، مضطراً لتبرير أي شيء أمام أكبر داعميه في التاريخ! بل أن بنيامين نتنياهو «اقتحم» واشنطن مرة عبر الكونغرس، من دون أن يضطر إلى «المرور» للسلام على ساكن البيت الأبيض!

والواضح أن أحداً في هذه الأيام، لا يُجادِلْ أحداً في أن ما تحقق على الصعيد الفلسطيني – الإسرائيلي خلال الأعوام الثمانية الماضية، لم يكن سوى كربجة، إن لم يكن تدمير، ما بُنيَ على مدى عقدين من الزمن! وأن السلطة الوطنية بالكاد تتمكن من الاستمرار في ممارسة «سلطاتها» في مناطقها. وأن الاستيطان، المتدرّج والمتدحرج والدؤوب والمنهجي، يكاد أن يُكمل محاصرة الفلسطينيين جغرافياً وإكمال قضم وهضم ما تيسّر من أراضيهم وتحويل الحيّز المشمول بالحكم الذاتي إلى معازل لا مثيل لتفككها في أي مكان آخر في هذا العالم!

بل الواقع هو أن أحداً في هذه الأيام لا يتذكّر «الموضوع» الفلسطيني سوى في إطار المقارنة مع «الموضوع» السوري! وفي هذا، كانت سوريا ولا تزال أوضح ارتكابات مستر أوباما وأخطر مسارح خطاياه، خصوصاً أنها تكاد أن تختصر كل عناوين الصعود المضاد للإحيائي الروسي فلاديمير بوتين! والمكان شبه الوحيد لإطلاق أوسع وأكبر المناورات الاستراتيجية إقليمياً ودولياً! عدا أنها المجال شبه الوحيد لتوسيع مروحة الفرضيات «الإفنائية»! انطلاقاً من توسيع مروحة التحليلات القائلة بأن «المعركة» الإعلامية والسياسية والديبلوماسية الدائرة اليوم بين الغرب (عموماً!) وروسيا يمكن أن تصل إلى دائرة الاشتباك المباشر؟! للمرة الأولى منذ بدايات القرن العشرين ودخول الغربيين في النزاع الأهلي المسلّح بين «البلاشفة» و«المناشفة» الروس بعد «ثورة أكتوبر» المجيدة!

خطورة ما ارتكبه مستر أوباما تكمن في أنه «أعاد الانتشار» بطريقة فوضوية! وكشف ظهره قبل أن يؤمن وجهه! ولبس ثياب الحملان وحمل في يده عصاً غليظة! لكن كل الذئاب الحاضرة في الحقل لم تصدّق شيئاً سوى أنوفها! وروائح الولائم الجاهزة أمامها!

.. استعجلت لجنة جائزة «نوبل» كثيراً! وربما ارتكبت خطأ أكبر بكثير من خطأ منح بوب ديلان جائزتها الأدبية!