IMLebanon

وفد لبنان أم وفد «بعض من لبنان»؟

 

ألِف اللبنانيون التعايش مع حكومات تصريف الأعمال. هي ليست المرة الأولى التي تتعثّر فيها مهمة تشكيل حكومة بالرغم من تسميّة الرئيس المكلّف من قِبَل أكثرية نيابية موصوفة. الجديد في تجربة التعثّر الحالية هو الإهمال العربي والدولي للبنان الذي أصبح واقعاً مرافقاً لكلّ ما يمتّ الى الحياة السياسية على المستويين الداخلي والخارجي. عدم ظهور أي دعوات أو تدخلات إقليمية أو دوليّة للإسراع في التأليف هو ما يفسر المساكنة السلميّة للمكوّنات السياسية كافة مع تعثّر التشكيل.

القيّمون على المسار الانحداري للجمهورية لا يريدون أن يدركوا ذلك، بل يمعنون في تعميق عزلة لبنان وفي نحره وقطع كلّ أواصر تواصله مع محيطه الطبيعي. «صفقة القرن» الرئاسيّة ارتكزت الى معطييّن إثنين: الالتزام باتّفاق الطائف والالتزام بمبدأ النأي بالنفس. إنّ استعادة سريعة لمسلسل العثرات أو الخطايا على مستوى الحوكمة، منذ ملء الفراغ الرئاسي، تثبت أنّ تحوّلاً ما يُراد له أن يأخذ طريقه حتى النهاية. الأسلوب المعتمد هو الإمعان في التعطيل، تعطيل كلّ شيء حتى إفراغ السلطة من مضمونها وتحين الفرصة لإسقاط المؤسسات. انّ نظرة بسيطة للإنحدار المتسارع في أبسط موجبات الدولة تجاه مواطنيها على المستويات كافة، والتعامل الاستئثاري مع الإدارة واستباحة المال العام والنقاشات الحادّة حول أبسط التفاصيل والقفز فجأة الى البحث في جذور الكيان وأدوار الطوائف لا يجد ما يبرّره سوى هذا الإمعان في إسقاط مشروع الدولة بنسختها الحالية.

هناك إصرار واضح على أخذ الممارسة السياسية نحو جملة أعراف لا وجود لها في الدستور، لعدم توافر فرص وحلفاء لفرض التعديل. وقد عبّر عنها التمنّع عن توقيع المراسيم وتكريس فيتو رئاسي على تشكيل الحكومة يصادر دور المجلس النيابي في منح الثقة أو عدمها، بعد إلحاق رئيس الحكومة برئاسة الجمهورية وحجب حصريّة دوره في التشكيل وفقاً للدستور.

اليوم أضاف، رئيس الجمهورية في حديثه لصحيفة الفيغارو الفرنسية، مصطلحاً جديداً الى «القاموس الدستوري السردي» وهو «أنّ النظام في لبنان توافقي، وأنّ إبداء الرأي لا يعني استخدام الفيتو» وذلك خلافاً لمقدّمة الدستور التي تنصّ على أنّ لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية. لعنة التوافقيّة التي أُلصقت في الدستور لم ترد سوى في المادة 65 في الفقرة الرابعة والتي تنصّ أنّ مجلس الوزراء يتخذّ قراراته بالتوافق واذا تعذّر فبالتصويت.

فخامة رئيس الجمهورية وفي سياق حديثه للصحيفة المذكورة أطلق رصاصة الرحمة على مبدأ النأي بالنفس. فردّاً على سؤال حول دور حزب الله قال «إنّ الوقائع هي إنّ الإرهابيين كانوا يهاجمون أراضينا، وحزب الله كان يدافع عنها… لقد بات وضع الحزب مرتبطا بمسألة الشرق الأوسط وبحلّ النزاع في سوريا». وهو بذلك لاقى الأمين العام لحزب الله في خطبه العاشورائية حين ردّد في أكثر من خطبة أنّ الحزب باقٍ في سوريا حتى بعد التسوية في إدلب طالما أرادت القيادة السورية ذلك، وإنّ ما يجري في المنطقة هو شأن مصيري لكلّ اللبنانيين، متسائلاً من يستطيع أن يفصل لبنان عن المنطقة وبأي منطق توجّه إلينا الدعوات للخروج من قضايا المنطقة؟ الأمين العام لحزب الله كان قد صرّح أكثر من مرة، بالنيابة عن الدولة اللبنانية ومؤسساتها وخلافاً لرأي شريحة كبرى من اللبنانيين «أنّ لبنان سيقف الى جانب الجمهورية الإسلامية عند تطبيق العقوبات الدوليّة عليها».

لقد وضع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 8 كانون الأول/ديسمبر 2017، أمام المجموعة الدوليّة لدعم لبنان بحضور ممثّلين عن الدول الخمس الدائمة العضويّة والجامعة العربية وإيطاليا والمانيا والأمم المتّحدة، توصيفاً جيوسياسيّاً للبنان بقوله «لبنان بلد تتقرر فيه التوازنات الإقليمية لذا، فإنّ الأسرة الدوليّة ستكون جاهزة للوقوف إلى جانبه في الإستحقاقات الدوليّة القادمة، وهو البلد الاستراتيجي الذي نرفع راية الدفاع عنه». وأضاف معدّداً معايير الجودة التي على لبنان أن يتمتع بها للحصول على هذا الدعم « إنّ حماية لبنان من أزماته تتطلب أن يحترم الفرقاء اللبنانيون واللاعبون الإقليميون المبدأ الهام جداً، وهو النأي وعدم التدخل في نزاعات المنطقة والتمسّك بسيادة لبنان ووحدته وسلامة أراضيه التي يجب أن يحترمها الجميع».

يُدرك المجتمع الدولي أنّ الوفد الذاهب للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتّحدة، هو وفد «لبعضٍ من لبنان» وقد اختار بالقوة القاهرة عزلة لبنان والمقامرة بمستقبل اللبنانيين. وفد «البعض من لبنان» اختار التخلي عن الأسرة الدوليّة وعن معايير الجودة المطلوبة واضعاً الوطن على قارعة الأجندات الدوليّة.

وبعد هذا، ألا يحق للبنانيين أن يسترسلوا في كتابة المطوّلات عن حسنات الفراغ الرئاسي؟

ا* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات