IMLebanon

تراجعت المطالبة برحيل الأسد… فتراجع الإرهاب

على مدى ست سنوات ونصف من عمر الانتفاضة الشعبية في سورية، استخدم نظام الأسد وحليفاه الإيراني والروسي وسائل وأدوات متنوعة في حربهم على الثورة والثوار وكل من تضامن معهم سياسياً أو دعم صمودهم عملياً، مستفيدين من سياسة أميركية وغربية تتحاشى الانزلاق إلى تدخل مباشر أو واسع، وتعطي الأولوية لدرء الأخطار عن أراضيها ومصالحها، ومستغلين أيضاً انقساماً وتلكؤاً عربيين انعكسا تذبذباً في المساعدات والإمدادات والمواقف.

وكان الأنجح استخداماً والأفضل نتائج بين وسائل الحلف الثلاثي، سياسة الأرض المحروقة القائمة على استخدام العنف اللامحدود ضد مناطق انتشار المعارضين، بما يشمل البشر والبناء والزرع، والتنكيل الجماعي والاعتقالات العشوائية. ما أدى، بالإضافة إلى الخسائر البشرية المروعة، إلى موجة نزوح هائلة، استخدمت بدورها للضغط على دول قريبة وبعيدة فأرهقتها.

وترافق كل ذلك مع إطلاق تنظيمات وجماعات «الإرهاب الإسلامي»، ومساعدتها على التوسع، وتوفير السلاح والتمويل لها، سواء عبر الإفراج عن قادتها المعتقلين في سجون النظام، أو عبر انسحاب قواته من أمامها في أكثر من منطقة، وخصوصاً تلك الغنية بالنفط والموارد الزراعية، وتسهيل تسللها إلى مناطق المعارضين وتشجيعها على قتالهم وتشتيت قواهم.

وتعود «براعة» الأسد في استخدام هذه الأدوات إلى أن ضباط جيشه أتقنوا التعامل بها لسنوات طويلة، بعدما تحولت الحرب ضد إسرائيل شعاراً يتيح رفعه التفرغ للإطباق على الداخل، وللحيلولة دون تطور أي تململ اجتماعي إلى حالة قابلة للانتشار.

ومع مرور الوقت، تمكن «التحالف الممانع» من «تحييد» الدول التي ساندت الثورة في بداياتها، مستغلاً خبرته الطويلة في الابتزاز، لا سيما في تعامله مع الدول الغربية التي يعرف أنها تغلب مصالحها الوطنية على المواقف المبدئية، عندما يتعلق الأمر بأمنها، عبر زرع مجموعات إرهابية وسط اللاجئين الذين انتقلوا إليها من دول الجوار السوري.

لم يكن لبنان المنقسم الذي يمسك «حزب الله» بقراره بحاجة إلى جهد كبير لتطويع مؤيدي الثورة فيه. استمر الضغط عبر قوى الحزب المسلحة وعبر النازحين، إلى أن جيء بحليف الحزب (المسيحي) رئيساً، وأخضِعتْ رئاسة الوزراء (السنية) لضغوط وشروط يصعب تجاوزها. ولم تبخل إسرائيل بالدعم عبر التصريحات الدورية عن «احتمالات الحرب»، فيما هي مرتاحة لإمساك الحزب بجبهة الجنوب وفرضه الهدوء فيها، ولخدمته مصلحتها البعيدة المدى في الإبقاء على نظام الأسد.

أما الأردن، فوقع تحت ضغط هاجسين: النازحون الذين يثقلون على اقتصاده وسط شح المساعدات العربية والدولية، والتيار الإسلامي المتشدد الذي رأى في الأوضاع السورية فرصة للتوسع. وكان أن اعتمد المهادنة مع الأسد وحلفائه كي لا يرهقوا بلاده بالمزيد من النازحين، ويضعفوا أمنه أمام متشددي «داعش» وأنصارهم في الداخل.

وبالنسبة إلى تركيا، تكفل الروس والأميركيون بالتناوب على إخضاعها، كل بأسلوبه. وفي حين ضغطت روسيا اقتصادياً وعسكرياً عبر العقوبات والتلويح بمواجهات مع القوات النظامية، مارس الأميركيون ضغطاً سياسياً متواصلاً عبر تحالفهم مع الأكراد وتسليحهم ومنحهم دوراً قيادياً في الحرب على «داعش»، ما أوقع أنقرة في مأزق مزدوج. فهي من جهة لا يمكنها التراجع أمام تنامي رغبة الأكراد في الانفصال، ومن جهة ثانية لا يمكنها تحدي الأميركيين. ولم يكن أمام أردوغان سوى التراجع مستفيداً من المحاولة الانقلابية، وإهمال دعواته لإقصاء الأسد، مع استمرار تلويحه بالتدخل العسكري ضد الأكراد لأغراض داخلية بحتة.

ولم يطل الأمر بالدول الأوروبية، وخصوصاً فرنسا، حتى انضمت إلى الركب الأميركي والإقليمي وتراجعت عن دعواتها المبدئية إلى تغيير النظام السوري ورأسه، في مواجهة خطر «داعش» الذي وصل إلى عواصمها بتسهيلات استخباراتية لم تقو على منعها. وبعدما أعلنت أنها لا تعارض بقاء الأسد، تراجعت فجأة، بقدرة قادر، وتيرة العمليات الإرهابية الكبيرة على أراضيها. لكن ذلك لم يحصل بسبب الحرب المستعرة على «داعش»، لأن للإرهاب قواعد خارج سورية والعراق وخلايا «نائمة» لم تمس، بل لأن الهدف من الاعتداءات تحقق.