Site icon IMLebanon

هل يؤدي اتفاق الترسيم إلى انهيار القرار 1701؟

 

 

لا يمكن فصل مقتل الجندي في القوات الدولية في بلدة العاقبية عن مسارٍ يتراكم منذ 31 آب 2022 تاريخ صدور قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بالتمديد لقوات الأمم المتحدة المؤقتة (اليونيفيل) وبالنشر الفعّال والدائم للقوات المسلحة اللبنانية في جنوب لبنان وفي المياه الإقليمية، مكرِّراً أنّ اليونيفيل لا تحتاج إلى إذن مسبق أو من أيّ شخص للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، وأنه يُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل، بما في ذلك السماح بتسيير الدوريات المعلنة وغير المعلن عنها.

 

منذ صدور هذا القرار الدولي الذي دان “مضايقة وترهيب أفراد اليونيفيل ووجود أسلحة غير مصرّح بها تسيطر عليها جماعات مسلحة في منطقة عمليات اليونيفيل”، كان منتظراً وقوع الاصطدام مع “حزب الله” في اللحظة التي تُقرِّر فيها اليونيفيل بدء تطبيقه، كلّياً أو جزئياً، لأنّ أيّ تغيير في قواعد الاشتباك جنوباً، من المحرّمات لديه، بعدما تمكّن من فرض وقائع تنسف عملياً القرار 1701 الذي كان يهدف إلى إبعاد “حزب الله” عن الحدود وإنشاء منطقة خالية من السلاح يسيطر عليها الجيش اللبناني وتؤازره القوات الدولية، لكنّ الحزب استطاع مع مرور السنوات تغيير الوقائع، فأعاد وجوده المسلح، وأصبح متواجداً على الحدود بشكل مباشر، وبهذا عطّل عملياً إحدى أهمّ مهمّات القوات الدولية.

 

ميدانياً، كانت الكتيبة الهولندية الأكثر نشاطاً في محاولة تطبيق قرار مجلس الأمن، لهذا كانت التعبئة الحزبية في البيئة الحاضنة ضدّ الكتيبة الهولندية حادة وعنيفة، وأرسل “الحزب” الرسائل ببقاء حركة القوات الدولية على الطرق الرئيسية فقط، فوقعت صدامات كان “الأهالي” يكتفون فيها بالاعتداء بالحجارة والاستيلاء على الكاميرات، لكنّ الجريمة الأخيرة، توحي بدخول مرحلة جديدة من الصراع.

 

عملت القوات الدولية في الآونة الأخيرة على استطلاع الشريط الحدودي، واكتشفت وجود ثغرات فيه، تسمح بعمليات تهريب أكثر من عادية مع الداخل الفلسطيني، وربما اكتشفت ما هو أكثر من ذلك، وهذا أمر يُؤخذ في الحسبان عند قياس مستوى التوتر بين البيئة الجنوبية وبين اليونيفيل.

 

إخترق موقف وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي صمت “الدولة”، فاعتبر أنّ الاعتداء على قوات حفظ السلام “جريمة، وليس حادثاً عرضياً وليس من فعل الأهالي”، معتبراً أنّ “من يقف وراءه لا يخفي نفسه” مشدّداً على أنّه “لا يمكن القبول بمنطقين في دولة واحدة، ويجب أن تكون سلطة الدولة مبسوطة على كلّ أراضيها”.

 

جاء موقف الوزير مولوي خارج ترهّل السلطة السياسية وتراخيها في الحفاظ على القرار 1701 وفي حماية لبنان من تغوّل سلطة الأمر الواقع، وأكمل معالجته للتهديدات الإسرائيلية بقصف مطار رفيق الحريري الدولي على طريقته الهادئة والفاعلة في معالجة تصدير المخدِّرات إلى العالم العربي، ويبدو أنّ “حزب الله” أدرك أنّ عدم تعاونه سيؤدي إلى إعطاء العدو الإسرائيلي ذريعة بضرب المطار، لهذا جاءت جولة مولوي وإعلانه الحرص “على تطبيق القوانين وعلى حماية لبنان” بمثابة إشارة للعالم بأنّ المطار آمن، وأنّ بإمكان الدولة إحداث التوازن إذا أرادت.

 

ما يثير القلق حقاً عامل جديد طرأ على المشهد، هو أنّ قيادة “حزب الله” باتت تعتبر أنّ اتفاق ترسيم الحدود سيسمح “للحزب” بإكمال سيطرته على لبنان، مقابل التطبيع البارد مع “إسرائيل”، فضلاً عن مكتسبات كبيرة سيغنمها في مجال النفط والغاز، كما قال النائب الأسبق أحمد فتفت خلال اجتماع عقده الرئيس فؤاد السنيورة في منزل الدكتور مصطفى علوش في طرابلس في 17 كانون الأول الجاري.

 

يحمل هذا التوجّه تفكيراً عميقاً أنّ بإمكان “حزب الله” حماية الحدود ولا حاجة بعد الآن للقوات الدولية بحكم الأمر الواقع، وأنّه انتصر في المنطقة ولبنان هو جائزة الانتصار.

 

يختبر “حزب الله” نوعاً جديداً من الضغوط على اليونيفيل لاختبار نوايا وقدرات المجتمع الدولي على حماية قواته في الجنوب، فهل سيستمرّ تجاهل السلطة السياسية لهذه المخاطر أم تدعم الجيش في اتخاذ ما يلزم لحماية لبنان، وهل سيكون من تداعيات اتفاق الترسيم مع “العدو” الانهيار التدريجي للقرار 1701 ومعه يكتمل سقوط الدولة اللبنانية؟