IMLebanon

قراءة في ترسيم الحدود اللبنانيّة مع الكيان الصهيوني

 

النزاع على الحدود مع العدو الصهيوني قائم على ١٣ نقطة «تحفّظ» على طول الحدود البرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، إضافة إلى الجزء الجنوبي من المنطقة البحرية الاقتصادية اللبنانية، وتبلغ مساحته نحو ٨٦٣ كيلومتراً مربعاً في البحر. وفي الأسبوع الأخير من شهر أيلول الماضي أعلَن رئيس مجلس النواب أن «المحادثات مع الأميركيين في ملف ترسيم الحدود الجنوبية أصبحت في خواتيمها»، وعنى بذلك الاتفاق على الإطار الذي ستتّم وفقه عملية التفاوض على ترسيم الحدود البريّة والبحريّة، ضمن شروط لبنانيّة للقبول بالمفاوضات، وأبرزها رفض فصل الحدود البرية عن الحدود البحرية، ورفض التفاوض المباشر مع العدو الصهيوني، بخلاف ما كان يريده الطرف الآخر وسوّق له في وسائل الإعلام. إلّا أنّ اتفاقية الإطار التي أنجزت بين لبنان والولايات المتحدة بحاجة إلى موافقة الكيان الصهيوني قبل إعلان تفاصيلها.

 

اتفاقية الإطار نقطة البداية

 

إنّ اتفاقية الإطار بدأت في مسار تفاوضي طويل انطلق عام ٢٠١٠ وتستند إلى «اتفاقية الهدنة» الموقعة عام ١٩٤٩ بين الكيان الصهيوني ولبنان بخصوص إقامة خط الهدنة الدائمة الذي أصبح خط الحدود الدوليّة بين «فلسطين الانتدابيّة» ولبنان؛ والقرار ١٧٠١ الذي صدر تحت راية الأمم المتحدة عام ٢٠٠٦، وشدّد على ضرورة احترام طرفيّ النزاع لكامل «الخطّ الأزرق» في الفقرة التنفيذيّة الرابعة، وترسيم الحدود الدوليّة في الفقرة العاشرة. أمّا في شقّها البحري، فهي تستند الى قانون البحار واتّفاقيّة ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان مع قبرص، التي تعتبر النقطة الـ ٢٣ المرجع الأساسي لترسيم حدود لبنان جنوباً في البحر المتوسّط.

 

وفي حال موافقة الكيان الصهيوني على الإطار الذي ستتّم وفقه عملية التفاوض، يدخل لبنان في مرحلة إدارة المفاوضات، التي سيقودها رئيس الجمهوريّة مع مجلس الوزراء بموجب المادة ٥٢ من الدستور. ومن المتوقع ان يفوّض رئيس الجمهوريّة إدارة المفاوضات إلى قيادة الجيش من خلال مرسوم استثنائي لكون الحكومة مستقيلة، يُعينها خبراء في القانون الدولي وفي قانون المياه والبحار، على ان تقدّم تقاريرها إليه. ومن المرجّح أن تتم اجتماعات التفاوض في مكتب قوات الـ«يونيفيل» في الناقورة برعاية الأمم المتحدة، وبحضور مندوب أميركي يلعب دور «وسيط ومسهّل» بين الطرفين اللبناني والصهيوني. ومن بعد الانتهاء من التفاوض وموافقة الجانب اللبناني على بنوده، يُصار الى التصويت على اتفاقيّة ترسيم الحدود في مجلس النوّاب.

 

الاعتراف بدولة الاحتلال من خلال اتفاقيّة الترسيم؟

 

من نتائج ترسيم الحدود المباشرة إرساء استقرار ووضع معين في المنطقة الحدودية، وفي حين يعتبر البعض أنّ الترسيم يكرّس حق لبنان في المنطقة التي يراها العدو موضع نزاع ولا يعتد به كاتفاق هدنة، يرى البعض الآخر أنّ ترسيم الحدود بالقانون الدولي وتسجيله من خلال اتفاقية او معاهدة دولية يكون الكيان الصهيوني طرف فيها هو اعتراف ضمني بأنّه دولة شرعية مع ما يترتب عليه من تبعات سياسية متعددة الأبعاد. وفي الواقع القانوني، يمكن اعتبار ان الاعتراف الضمني بـ«إسرائيل» بدأ عندما ابرم «اتفاق الهدنة» في ١٩٤٩ و«تفاهم نيسان» عام ١٩٩٦ والقرار الأممي رقم ١٧٠١ لعام ٢٠٠٦ الذي ينظم العلاقة بين الطرفين تقريباً، الّا أنّ ذلك كان من باب التعاطي مع الكيان الصهيوني الذي أصبح بفعل الامر الواقع الاستيطاني موجوداً على حدود فلسطين المحتلّة مع لبنان.

 

وبشأن نزع سلاح «حزب الله» في ظل ترسيم الحدود، من المتوقّع أن يطرح الطرف الآخر في المفاوضات شروطاً تتعلّق بسلاح الحزب وترسانته الصاروخيّة ونطاق عمل قوات الطوارئ الدولية وصلاحيّاتها. ويرى البعض أنّ ترسيم الحدود لا يتعارض مع حق لبنان بمقاومة أي عدوان صهيوني استناداً الى «تفاهم نيسان» الذي نصّ على أنّه «بدون خرق هذا التفاهم لا يوجد ما يمنع أي طرف من ممارسة حق الدفاع عن النفس».

 

مزارع شبعا وتلال كفرشوبا في الترسيم

 

طالبت الفقرة التنفيذيّة العاشرة من القرار ١٧٠١ بمعالجة مسألة مزارع شبعا والمناطق المتنازع عليها، كذلك طالب القرار ١٦٨٠ لعام ٢٠٠٦ سوريا الاستجابة للرغبة اللبنانية في ترسيم الحدود وتحديد هوية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلّتين من الكيان الصهيوني في العام ١٩٦٧ عبر إيداع نسخة عن هذا الترسيم في الأمانة العامة للأمم المتحدة، لكن أي معالجة للمسألة لم تحصل، الأمر الذي يدفع دولة الاحتلال بالاحتجاج على الدّوام بأن هذه المنطقة لا تشملها خرائط التحديد اللبنانية الرسميّة، وهي تستغل بذلك هذه المسألة لتبرير عدوانها الدائم على لبنان.

 

ومن نتائج ذلك أنّ الترسيم البرّي للكيان الصهيوني لا يلحظ لبنانية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ويضعها ضمن خارطة الأراضي السورية التي يحتلها، وهي تحت إشراف قوات «تندوف» الدولية التي تنتشر في الجولان العربي السوري منذ اتفاق الهدنة بين سوريا والكيان الغاصب «إسرائيل». من هنا يرجّح البعض أن تبقى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا غير خاضعة لعملية التفاوض ما يسمح لـ«حزب الله» التمسّك بسلاحه حتى تحرير هذه المنطقة.

 

* * *

 

في الخلاصة، إنّ اتفاقية الإطار تُعدّ خارطة طريق للبدء بالتفاوض الجدي لترسيم الحدود البريّة والبحريّة بشكل كامل، أي أنّ ملفّ الحدود مع الكيان الصهيوني ما يزال في مطلعه، ومعركة استرجاع كامل حقول لبنان في البر والبحر قد بدأت لتوّها وقد تستغرق سنوات للإنجاز في ظلّ شروط كلا طرفيّ النزاع. وفي وهج تصدّر ملفّ الترسيم المشهد العام، تبقى الأولويّة لتشكيل حكومة تطبّق الإصلاحات وتُقنع المجتمع الدولي ليفرج عن المساعدات التي بات الاقتصاد اللبناني بأمسّ حاجة لها.

 

ويبقى السؤال الأساس عن تحديد الحدود اللبنانية – السورية، علماً أن «حزب الله» انتقد في أيار ٢٠٠٦ قرار مجلس الأمن الدولي رقم ١٦٨٠ الذي دعا سوريا إلى ترسيم الحدود بين البلدين.