تمخض الجبل بعد ثلاث سنوات من المفاوضات التي جرت خلافا لأحكام الدستور، عن فأر. لبنان ربح الفأر وإسرائيل ربحت كل ما أرادته مع حليفها الأميركي، من هذا الوطن الصغير.
كل من قبل ويدعم هذا الإطار التفاوضي يعلم تماما أنهم يدفعون لبنان ليتنازل عن مساحة كبيرة من مياهه وترابه الوطني لمصلحة إسرائيل. كل من قبل ويقبل بهذا الإطار إنما يخدم مصالحه السياسية وعلى حساب لبنان وحقوقه.
شدد نبيه بري رئيس مجلس النواب على أن الإطار التفاوضي يستند إلى تفاهم نيسان والخط الأزرق. فماذا يعني ذلك؟
تفاهم نيسان قام بين قوى الأمر الواقع وإسرائيل برعاية أميركية. وكالعادة انضمت الحكومة تحت عامل الإكراه المادي لهذا التفاهم. فماذا يعني الاستناد إلى هذا التفاهم؟ يعني أنه متابعة لما تم الاتفاق عليه مع حزب الله بشأن تحييد الأهداف المدنية عن عملياتهما العسكرية. هو إذا، اتفاق مع قوى الأمر الواقع. وهذه نتيجة طبيعية للمفاوضات التي تمت. فمن أدار المفاوضات مع الأميركي هو من قوى الأمر الواقع ولو كان يحمل صفة رئيس مجلس النواب. وبالتالي فإن من يقبل به من القائمين على السلطة، أو من المتشدقين باسم الوطن يوميا، فإنهم يشاركون في انتهاك الدستور وبالجريمة المستمرة بحق الوطن.
أما بالنسبة لاعتبار الخط الأزرق هو الإطار لتحديد الحدود فيشكل ابشع خيانة وطنية موصوفة وصريحة ووقحة أيضا بحق هذا الوطن. فهذا الخط الأزرق هو خط عسكري أمني وليس قاعدة قانونية لتحديد الحدود. فالحدود بين الجانبين محددة بوضوح في اتفاق الهدنة لعام 1949 الذي يؤكد أن الحدود بين الجانبين هي الحدود المعترف بها دوليا أي الحدود التي رسمت بين لبنان وفلسطين عام 1922.
الخط الأزرق يمنح إسرائيل ولو على سبيل أمني، مسافة هامة ضمن الأراضي اللبنانية فينتهي خط الحدود البري وفقا له، داخل لبنان ويؤدي الامتداد الجغرافي الفني لهذا الخط في المياه الإقليمية، إلى خسارة لبنان مساحة كبيرة من مياهه الإقليمية لصالح إسرائيل. وأنا آسف لأن أقول أنني لا أثق ايضا بدور الجيش في هذه المهمة. فالجيش كما القضاء يحكمهما أشخاص لهم ولاءات للسياسيين كما هو واقع الحال في البلاد.
في الواقع، فإن أصدقاء الولايات المتحدة في لبنان من الأحزاب والمؤسسات الإعلامية وغيرها، وما أكثرهم يباركون هذه الخطوة ويسعون للاستفادة من الاتفاق الإطاري الهجين معتقدين أن تنازل لبنان عن جزء من حقوقه الوطنية يمكن أن ينقذه من النيران المشتعلة حوله وداخله. ويستخدمونه كوسيلة لتسجيل نقاط سياسية في مرمى حزب الله وفي خدمة أغراضهم السياسية. هذه هي قمة الفشل في العمل الوطني. إنهم غير آبهين بما سيؤدي إليه من خسارة لبنان لمساحات من أراضيه ومياهه الإقليمية. وقد سمعت النائب السابق الطبيب فارس سعيد يحاضر بالقانون الدولي على شاشة تلفزيون أم تي في معتبرا بأن هذا الاتفاق الإطاري هو اعتراف لحزب الله بالكيان الصهيوني، لكنه نسي أن الإطار يشير إلى ورقة التفاهم لنيسان 1996. وكان من الأفضل أن يسأل قانونيين ماذا يعني هذا الأمر؟
هذا يعني، أن حزب الله يقبل بالاتفاق لغاية إقتصادية محضة، معتبرا أنها من الأهداف المدنية. أي انه لا يمنح أي اعتراف سياسي لإسرائيل بل يقبل بتحييد نشاطها الإقتصادي في مياهها الإقليمية بمقابل تحييد النشاط الإقتصادي للبنان في مياهه الإقليمية، عن نيران أسلحتهما. وهو يترك لذاته في غير هذا الأمر، حرية التصرف عسكريا. ولن يعدم وسيلة لإيجاد حجة للجوء إلى سلاحه. هذا الإتفاق لن ينقذ لبنان من النار بل سينقذ السلطة الفاسدة من المأزق الإقتصادي الذي أوقعوا لبنان فيه. ومن قال أنه سيمكن الاستفادة في ظل هذه السلطة الفاسدة من الثروات البحرية؟ الإتفاق الإطاري، جزرة تقدمها إيران إلى الولايات المتحدة لخدمة مفاوضاتها معها لا أكثر. هي لا تخسر شيئا بما في ذلك إمكانية استخدام سلاح الحزب حين تشاء.
لا ينقذ لبنان إلا التمسك بالعدالة والمطالبة بحقوقه الوطنية. لم يعد لنا سوى القيادات الروحية التي ساهمت بإقامة دولة لبنان الكبير. طالبنا غبطة البطريرك وسنطالب المفتي بأن يقودا معا وفدا وطنيا من كل الطوائف إلى مجلس الأمن ويخاطبا الرأي العام الدولي ليطالبا المجلس بتنفيذ اتفاق الهدنة الذي تبناه المجلس وفقا للمادة 40 من الفصل السابع من الميثاق. نرجوهما أن يطلبا من المجلس مساعدة لبنان للتخلص من قوى الأمر الواقع واستعادة لبنان لسيادته واستقلاله وحريته، ووقف الانتهاك الإسرائيلي لحدوده الوطنية. لبنان ملزم فقط بمنع استخدام أراضيه لأعمال عدوانية ضد إسرائيل.
ولا يجوز للبنان وإسرائيل اذا لم يتفقا على رسم الحدود اللجوء إلى التهديد بالقوة لفرض المواقف بل يجب اللجوء إلى الآليات القضائية الدولية كمحكمة العدل الدولية والمحكمة الدولية لقانون البحار لتسوية الخلاف.
ترى هل من يسمع هذا النداء؟