IMLebanon

ورقة الترسيم بيد طهران

 

 

هل كان «حزب الله» بحاجة الى تنفيذ هذه المناورة البحرية الطويلة الأمد، لكي يعطي ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل هوية لبنانية، ولكي يوهم من هم في الداخل والخارج أن في السلطة اللبنانية مفاوضين حقيقيين يملكون القدرة على القول «لا» حيث يجب، و»نعم» حيث تقتضي مصلحة لبنان قول نعم؟

 

الاجابة على هذا السؤال مرتبطة بكل استراتيجية الحزب منذ امساكه بورقة المقاومة، وقد امسك بها ورقة القرار في لبنان من دون شريك. فالمناورة هنا ضرورية، لأن الحزب يعرف ان لا مصلحة الآن في القيادة من خلف المقود، بل بالجلوس على المقعد الخلفي، وتنصيب من يقودون باسمه، وتجريدهم من كل أدوات القيادة حتى الشكلية منها. هذه العملية هي باختصار اختطاف الشرعية وتجييرها في خدمة مشروع ايران، وهذا ما نفذه الحزب بحذافيره في ملف الترسيم البحري.

 

لقد كاد البعض يصدق أن الصراع بين الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري، على الامساك بملف التفاوض، هو صراع على سلطة فعلية، سيستطيع الرجلان استعمالها في الداخل والخارج وعلى طاولة المفاوضات، لكن اليد التي تمسك بالزناد وبالقرار، تدخلت في الوقت الذي يناسبها، وأفهمت الجميع من دون مواربة ان القرار لصاحب القرار، وهكذا تصاغر طموح الرؤساء الى ان اكتفوا بلعب دور الناطقين باسم المفاوضات، وربما سيتصاغر هذا الدور اكثر بعدما رسم الأمين العام لـ»حزب الله» خريطة الطريق الى اللاترسيم ، التي استولدت مزارع شبعا بحرية، ستعزز سلاح ايران في لبنان بالمزيد من المسوّغات وستضفي عليه طابع المقاومة البحرية، ذلك اياً كان السيناريو المقبل تصعيداً أو تأجيلاً للتصعيد.

 

لو كان الرئيس عون حريصاً على صورة الرئاسة القوية، لكان أعلن موقفاً بعدما عطل تصريح النائب محمد رعد، كل مسعاه للترسيم، فرئيس الجمهورية القوي، لا يقبل بأن يتم تبليغه بالبريد المكشوف، أنه مجرد مفاوض وهمي لا قرار مسموحاً له بالتفاوض، من أجل تحقيق مصلحة لبنانية كبرى. ولو كان الرئيس بري يصدق فعلاً أنه قادر على النفاذ من براثن الخطوط الحمر التي رسمها الحزب، لكان عليه أن يساهم بتقديم رد خطي على العرض المكتوب الذي قدمه هوكشتاين.

 

ولو كان اي مسؤول في هذه الدولة يمتلك زمام القرار، لسأل لماذا تفاوض الدولة اللبنانية عبر وفد عسكري، وفداً عسكرياً اسرائيلياً ولا يسمى ذلك تطبيعاً، في حين لا تجرؤ على قبول العرض الاميركي باستخراج الغاز من الحقول البحرية المشتركة وبيعه وتوزيع عائداته بعد الاتفاق على نسبتها، بزعم ان ذلك يشكل تطبيعاً، في وقت لا يملك احد الإجابة على اشكالية أن تكون هذه الاحواض متصلة، وعما يمكن عمله بالتالي لحفظ حقوق لبنان. فهل قدر هذه الثروة أن تنام الى عشرات السنين المقبلة في وقت تتسارع التحديثات العلمية لكل أنواع الطاقة النظيفة، بما يضع احتمال الحاجة الى الغاز في اسفل قائمة الاولويات العالمية؟

 

بوصول هوكشتاين أمس الى بيروت، يكبر احتمال تجدد مسرحية التفاوض، فيما المفاوض الحقيقي يقرر من طهران، و»ممثلوه» يدّعون امام الوسيط الاميركي الجدية والحنكة وكل ادوات اصطناع ما هو غير حقيقي.

 

لقد رسم نصرالله خريطة الطريق، التي تبدأ بالناقورة ولا تنتهي في فيينا، ومزارع شبعا البحرية باتت حقيقة سيبنى عليها الكثير في الاسابيع والسنوات القادمة، ولن تدق ساعة المفاوضات الحقيقية الا على توقيت ساعة طهران، اما النتائج الكارثية فلن تنحصر في ان استثمار ثروة لبنان سيتم تجميده حتى اشعار آخر، بل في أن احتمال العودة الى استعادة الثقة والاستثمارات والعلاقات الطبيعية مع العالم، ولو بالحد الدنى، أصبح ضئيلاً حتى التلاشي.