أجزم بأنه صار الوقت، ليطرح المسيحيون والمسلمون خلافاتهم على بساط أحمدي، وهو يعني طاولة الحوار في المفهوم العشائري. والشعب اللبناني، ليس اكثر من عشائر متعددة الطوائف والمذاهب، تختلف احياناً فتتقاتل، ويتدخل كبار العشائر، وينعقد البساط الاحمدي، وتحلّ المشاكل، لتعود وتتجدد، وهكذا دواليك، وعندما اعلن لبنان الكبير كثرت الخلافات، مع تكبير حجم «العشائر» وعلى الرغم من وضع الميثاق الوطني في العام 1943 على يد الرئيس بشارة الخوري، ورئيس الحكومة رياض الصلح، وكان الهدف منه تنظيم العيش المشترك بين مختلف العشائر الطائفية.
في احصاء سنة 1932، أي بعد لبنان الكبير بـ 12 سنة، كان عدد المسيحيين 614.397 نسمة، ومجموع عدد المسلمين 431.767، واليهود 4003، وكان عدد الموارنة 351.197، وعدد السنّة 194.305، والشيعة 166.545، اي ان عدد الموارنة كان اقل من عدد السنة والشيعة مجتمعين بحوالى 9 الاف نسمة، ومع ذلك تم الانقلاب على الرئيس الخوري سنة 1952، واندلعت الثورة ضد الرئيس كميل شمعون سنة 198، وحصلت محاولة انقلاب على الرئيس اللواء فؤاد شهاب سنة 1962، وفرض اتفاق القاهرة على الرئيس شارل حلو سنة 1970 بعد احداث دامية، واندلعت الحرب ضد الرئيس سليمان فرنجية في سنة 1973 وهدأت لسنتين لتستأنف سنة 1975، وتمتد الى عهد الرئيس الياس سركيس، وتم اغتيال الرئيس شهيد بشير الجميّل، قبل استلام ولايته، ولم تهدأ الاحداث الدامية طول عهد الرئيس أمين الجميّل الذي عجز حتى عن تشكيل حكومة طبيعية بسبب مقاطعة المسلمين، واسقطت الحكومة العسكرية الناقصة التي شكلّها الجميل وكانت برئاسة قائد الجيش ميشال عون، وتم اغتيال الرئيس رينيه معوض بعد فترة قصيرة على انتخابه، وانتخب بعده الرئيسان الياس الهراوي، واميل لحود، وحكم ولاية ونصف كل منهما، لان الوصي السوري كان راضياً ومرتاحاً لوجودهما. الى ان انتخب العماد ميشال سليمان بعد مؤتمر الدوحة واحداث بيروت والجبل.
***
هذا السرد التاريخي لرؤساء الجمهورية الموارنة، للقول ان وثيقة الميثاق الوطني التي توجّت النظام السياسي في لبنان، لم تساعد على استقرار لبنان منذ وضعت، فكيف لها ان تساعد على استقرار لبنان في هذه الايام بعد ان اصبح عدد المسيحيين 30 بالمئة من عدد سكان لبنان، والمسلمون 70 بالمئة، وهذا الفارق الكبير في العدد ليس سببه نسبة الانجاب المرتفعة عند المسلمين فحسب، بل لان الحروب والاحداث والتجنيس وسيطرة المسلمين على الدولة والادارة طول مدة الوصاية السورية، دفعت الكثير من المسيحيين الى الهجرة «وان واي تيكيت»، ولذلك دعوت في مقدمة مقالي الى طاولة حوار شجاعة وصريحة للتوافق على نظام مدني علماني، لا علاقة له بالاديان بفصل الدين عن الدولة، او نظام تقسيمي من الانظمة الموجودة في العالم، اما ازمة التوظيف القائمة اليوم، وتكاد تهزّ الدولة، لا يمكن ان تحل حتى ولو تم التوظيف مناصفة، لان المسلمين يتقدمون بنسب اكبر وسوف يستغنى عن عدد كبير منهم حتى ولو نجحوا، وهذا ظلم يماثل الظلم اللاحق حالياً بالمسيحيين الا اذا طبقت اللامركزية الادارية الطائفية سريعاً، واعطي للاكثرية الموجودة حق التوظيف بما يتناسب مع العدد في اي محافظة او قضاء، كحلّ مرحلي تهدأ فيه النفوس ويضعف التعصّب.