في الوقت الذي تستمرّ فيه عمليّات «شدّ الحبال» المُتبادلة، بين رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، والتي تمثّلت في مُسارعة رئيس مجلس النوّاب إلى تحديد الخامس من حزيران المقبل موعداً للجلسة المُقبلة لمجلس النواب، بعد إرجاء جلسة أمس الإثنين، في مُقابل عدم مُسارعة رئيس الجمهورية إلى فتح دورة إستثنائيّة لمجلس النوّاب، بشكل يحول عملياً دون عقد جلسة الإثنين المُقبل ما لم يصدر مرسوم فتح الدورة الإستثنائية بالتوافق بين رئيس البلاد ورئيس الحكومة سعد الحريري الذي وقّع المرسوم من جهته، ظهرت في الساعات القليلة الماضية المزيد من العلامات السلبيّة التي جعلت المُتفائلين بقرب التوافق على قانون جديد للإنتخابات النيابيّة يُعيدون حساباتهم ويتصرّفون بحذر أكثر، بدءاً بالمؤتمر الإعلامي الذي عقده رئيس مجلس النوّاب والذي رفض فيه مسألة نقل المقاعد مُنتقداً محاولات الضغط على المجلس، وُصولاً إلى خروج تصاعدي لأصوات مُعترضة على القانون الذي تجري محاولات تسويقه حالياً.
وبحسب مصادر سياسيّة مُطلعة على مُجريات غرف التفاوض التي يخوضها في هذه المرحلة النائب جورج عدوان مع مُختلف القوى السياسيّة الأساسيّة، الأكيد أنّ تقدّماً كبيراً قد حصل على خط الملفّ الإنتخابي، وتمثّل بالمُوافقة على تقسيم لبنان إلى 15 دائرة إنتخابيّة، بعد أن كان جرى التوافق في مرحلة سابقة على إعتماد صيغة التصويت النسبي الكامل، وإسقاط كل الإقتراحات الإنتخابيّة الأخرى. وأضافت أنّ الأكيد أنّ تقدّماً مُهمّا حصل أيضاً على مسُتوى «الصوت التفضيلي»، لجهة مُوافقة «التيار الوطني الحُر» على التنازل عن القيد الطائفي في «الصوت التفضيلي» في مُقابل تنازل «الثنائي الشيعي» عن المُطالبة بأن يكون هذا الصوت ضمن الدائرة الإنتخابية ككل، بحيث تمثّل المخرج المناسب للجميع في إعتماد «الصوت التفضيلي» ضُمن تقسيمات القضاء المعروفة في لبنان، لكن خارج القيد الطائفي. إلا انّ المصادر السياسيّة نفسها لفتت إلى أنّ المُشكلة تكمن في إحتساب «الصوت التفضيلي» وتأثيره على النتيجة النهائيّة، باعتبار أنّه يُمكن لأحد المُرشّحين أن يفوز في قضائه وبالصوت التفضيلي، في الوقت الذي يكون فيه مُرشّح آخر قد فاز بأعلى نسبة من المؤيّدين على مُستوى الدائرة الإنتخابيّة ككل! وأضافت أنّ العقبات الباقية لا تقتصر على مطلب نقل بعض المقاعد النيابيّة العائدة إلى مذاهب مسيحيّة، لا سيّما منها تلك التي جرى إستحداثها بعد «إتفاق الطائف»، وتحديداً في مرحلة الوصاية السوريّة على لبنان، ومُعارضة رئيس مجلس النوّاب المُطلقة لهذا الأمر، بل تتجاوز ذلك إلى العديد من التفاصيل الأخرى المُرتبطة بالقانون الإنتخابي الجديد وفق النسبيّة الكاملة.
وفي هذا السياق، أوضحت المصادر السياسيّة المُطلعة على تفاصيل التفاوض القائم بشأن الملفّ الإنتخابي، أنّ التقسيم النهائي للدوائر الإنتخابيّة سيُؤثّر على النتيجة النهائيّة، حيث أنّ نقل أي بلدة أو قرية يُغيّر بالمُعادلة الدقيقة القائمة لكل دائرة إنتخابيّة. وتابعت أنّ أهمّية الصوت التفضيلي حاسمة على النتيجة، الأمر الذي أسفر عن بروز خلافات غير محسوبة بشأن طريقة إحتساب نسب الأصوات التي تخوّل المُرشّحين الفوز، في حال وُجود تناقض بين الإسم الفائز بالصوت التفضيلي والإسم الفائز بمجمل أصوات ناخبي مُطلق أي دائرة إنتخابيّة.
من جهة ثانية، أشارت المصادر نفسها إلى أن طبيعة القوانين الإنتخابيّة التي تعتمد مبدأ التصويت النسبي الكامل تستوجب تشكيل لوائح مُتماسكة وقويّة للتمكّن من الفوز، حيث لن تكون هناك أي فرصة لفوز المُرشّحين المُستقلّين في أي دائرة إنتخابيّة، إلا في حال قيامهم بتوحيد جهودهم، وبالتالي في حال تشكيلهم لوائح مُتماسكة وقويّة بعضهم مع بعض، من دون إسقاط وُجود إستثناءات محدودة جدًا، والتي هي أقرب إلى الشواذ منه إلى القاعدة. ورأت أنّ هذا الأمر سيدفع كلاً من الأحزاب الصغيرة والشخصيّات المناطقيّة ومُرشّحي هيئات المُجتمع المدني إلى تشكيل لوائح مُشتركة، وإلا ستكون فرص لوائح الأحزاب الكبيرة والمُنظّمة أكبر في حصد العدد الأكبر من المقاعد النيابيّة.
وختمت المصادر السياسيّة المُطلعة عينها كلامها بالتشديد على أنّ مرحلة «شدّ الحبال» ـ إذا جاز التعبير، ستستمرّ في الأيّام القليلة المُقبلة، لأنّ تحضير قانون الإنتخاب هو نصف المعركة تقريبًا، ما لم يكن أكثر من ذلك! وتوقّعت أن يتواصل «الكباش» الحالي، بسبب محاولات مُتبادلة لضمان الفوز بمقعد من هنا أو من هناك، الأمر الذي يعني أنّ مخاض ولادة القانون الجديد لن يكون سهلاً.