IMLebanon

رحيل زعيم وطني  من الزمن الجميل

الرئيس عمر كرامي ينضم الى قافلة الراحلين الكبار الذين يودعهم لبنان كمن يودع شيئاً من نفسه. يودعهم بالحزن النبيل، مع الحنين الى الماضي، والقلق حيال بؤس الحاضر، والخوف من المستقبل وعليه، فالأفندي واحد من قلة بقيت من رموز الزعامات في الزمن الجميل. ونحن من الجيل الذي ظل يطلب الثورة لتغيير لبنان القديم حتى رأى تردي لبنان الجديد الذي صنعته الحرب وعصبيات الطوائف والمذاهب وصفقات السلطة والمال، فعاد يحلم بالعودة الى لبنان القديم. لا بل عاد يتذكر رجال الدولة الذين ظلمهم بالمواقف السلبية منهم، قبل أن يصل به العمر الى رجال السلطة الذين ظلموه بسياساتهم السلبية.

كان عمر كرامي قائداً على الأرض في طرابلس قبل أن يتولى الزعامة بعد استشهاد شقيقه الأكبر الرئيس رشيد كرامي الذي تولاها بعد رحيل والده الرئيس عبد الحميد كرامي. ولم تكن رئاسة الحكومة أيام عبد الحميد ورشيد وعمر سوى تفصيل في زعامة آل كرامي، وخدمة وطنية ضمن العمل كرجال دولة في اطار لبنان العربي. وليس أمراً عادياً أن تصمد الزعامة المعتدلة في مواجهة موجتين قويتين: موجة التطرف المذهبي المدعوم اقليمياً، وموجة المال السياسي المدعوم اقليمياً ودولياً.

وليس من المألوف، وسط الشغف المخيف بالسلطة، أن يفعل رئيس حكومة ما فعله الرئيس عمر كرامي، حيث أنهى حكومتين بالاستقالة، واعتذر عن عدم تأليف ثالثة. والاستقالة الأولى قدمها الأفندي بعد تظاهرات منظمة ولعبة مالية خطرة ضمن خطة محلية واقليمية لاسقاط الحكومة والمجيء بحكومة دقت ساعتها على توقيت الوصاية الاقليمية المزدوجة. والثانية قدمها أيضاً في أجواء الحزن والغضب في المجلس النيابي والتظاهرات المطالبة بالانسحاب السوري وسقوط النظام الأمني بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. أما الاعتذار عن عدم تأليف الحكومة الثالثة، فإنه جاء بعدما اكتشف كرامي أن القوى الأساسية التي سمته كانت تخادع ولديها خطة مختلفة.

لكن عمر كرامي ظل نفسه في السلطة وخارجها. الأولوية عنده للمصلحة العامة وبناء الدولة، بصرف النظر عن القدرة على مواجهة الذين نقلوا الدولة مما سماه عبد الحميد كرامي المزرعة الى ما صار الشركة. ولا شيء يتقدم على الوطنية اللبنانية في عمقها العربي. لا مواقفه السياسية حالت دون أن يبقى على تواصل مع الذين لديهم مواقف سياسية مختلفة. ولا هو سكن مثل سواه في شاشات التلفزيون بل فضل القليل من الكلام والكثير من صمت.

الآن جاء الرحيل الى الصمت الكبير. رحيل زعيم من زمن لبنان الذي كنا نعرفه عن لبنان الذي لم نعد نعرفه ولا نعرف كل ما فيه وحوله من أخطار.