Site icon IMLebanon

رحيل الأسد في التوقيت الأميركي – الروسي

من حقيبة النهار الديبلوماسية

“التفاوض بين أميركا وروسيا على مصير الرئيس بشار الأسد يتركز على موعد رحيله وتخليه عن السلطة وليس على مبدأ ضرورة رحيله. هذه إحدى أبرز نتائج محادثات وزير الخارجية الاميركي جون كيري في موسكو مع الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف”. هكذا اختصر مسؤول دولي بارز في باريس معني بالملف السوري حصيلة التفاهمات الاميركية – الروسية الجديدة “التي تعكس تصميماً متزايداً على انهاء الحرب في سوريا وحل الأزمة على اساس انتقال السلطة الى نظام جديد تعددي. وهذا التطوّر ليس مصدر اطمئنان للأسد بل مصدر قلق كبير له”. وشدد المسؤول الدولي على أن الاميركيين والروسي متفقون بصورة غير معلنة “على أن الأسد لن يكون جزءاً من القيادة الشرعية الجديدة التي ستحكم سوريا في مرحلة السلام والاستقلال وإعادة البناء بل أن رحيله ضروري في توقيت متفق عليه وهذا مردّه الى العوامل والأسباب الأساسية الآتية:

أولاً، اتضح للأميركيين في محادثاتهم الأخيرة مع بوتين أن روسيا جادة ومصممة على دعم عملية انتقال السلطة من طريق المفاوضات الى نظام جديد تعددي وتريد تحقيق هذا الهدف بالتعاون مع أميركا والدول الغربية والاقليمية المؤثرة الأخرى التي تتمسك برحيل الأسد. وأكد لافروف علناً وبوضح هذا الموقف الروسي في مؤتمر صحافي عقده مع كيري اذ قال إن الأميركيين والروس اتفقوا على إطلاق محادثات مباشرة بين وفدي النظام والمعارضة في جنيف “من أجل التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الرقم 2254 الأمر الذي سيؤدي الى تشكيل هيئة حكم انتقالي وصوغ دستور جديد وتنظيم انتخابات حرة استناداً الى الدستور الجديد”. وينص القرار 2254 على أن هيئة الحكم الانتقالي التي ستضم ممثلين للنظام والمعارضة ستمارس السلطات التنفيذية الكاملة وتصوغ الدستور الجديد وتنظم الانتخابات الحرة بالتعاون مع الأمم المتحدة. وأوضح كيري أن تشكيل إطار عملية الانتقال السياسي وصوغ دستور جديد سيتحققان في آب المقبل. ويرفض الأسد كلياً هذه الخطوات.

ثانياً، شدد كيري في موسكو على أن أميركا تريد انتقالاً للسلطة “بعيداً” من الأسد “وتمنى على بوتين أن ينصح الرئيس السوري بالانخراط جدياً في العملية التفاوضية وأن يدفعه الى التخلي عن السلطة في مرحلة ما من أجل تسهيل قيام النظام الجديد. واتفق الاميركيون والروس على عدم طرح قضية رحيل الأسد الآن بل طرحها جدياً من أجل حسمها بعد احراز تقدم جوهري في المفاوضات. وهذا تطوّر مهم.

ثالثاً، بقاء الأسد في السلطة يمنع الانتقال الحقيقي الى نظام جديد ليس فقط لأنه المسؤول الأول عن الكوارث التي أصابت سوريا بل أيضاً وخصوصاً لأن تركيبة الحكم الجديد التي تنص عليها القرارات والتفاهمات الدولية تتناقض كلياً مع تركيبة نظام الأسد وتوجهاته اذ انها تطلب ان يكون النظام الجديد تعددياً ديموقراطياً يحقق المصالح والتطلعات المشروعة لكل مكونات الشعب السوري خلافاً للنظام القائم.

رابعاً، بقاء الأسد في السلطة مرفوض لدى الغالبية من السوريين ولدى المعارضة المعتدلة بكل مكوناتها ولدى الغالبية من دول “المجموعة الدولية لدعم سوريا”. واللافت في هذا المجال أن كيري أعلن في موسكو أن إيران تدعم انتقال السلطة في سوريا الى نظام جديد إذ قال: “إن إيران تؤيد الانتقال السياسي للسلطة المنصوص عليه في بيان جنيف للعام 2012 وهي دعمت هذه الصيغة في اجتماعات فيينا ونيويورك وميونيخ”. وهذه المرة الأولى يعلن كيري هذا الموقف.

خامساً، بقاء الأسد في السلطة يؤدي الى انهيار العملية التفاوضية وتعطيل التعاون الاميركي – الروسي في سوريا لأنه “يستحيل التوفيق والتعايش بين الماء والنار” كما قال لنا ديبلوماسي أوروبي، وحصول ذلك يتناقض مع المصالح الحيوية لروسيا التي تعلق أهمية كبيرة على مواصلة التعاون مع أميركا مما سيدفعها الى الضغط على الأسد من أجل حمله على التخلي عن السلطة في الوقت المناسب.

وخلص المسؤول الدولي الى القول: “معركة استعادة تدمر لن تبدل مسار الأزمة وليست بديلاً من المعركة الأساسية وهي معركة إنقاذ سوريا التي تواجه في وقت واحد أكبر كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية وأكبر عملية تشريد وتهجير في تاريخ المنطقة تطاول 13 مليون سوري في الداخل والخارج وأكبر عملية تدمير وتخريب في البلد الذي يحتاج الى أكثر من 500 مليار دولار من أجل إعادة بنائه واعماره واصلاح أوضاعه في كل المجالات. وإنجاز هذه الاهداف يتطلب قيام نظام جديد تعددي وقيادة شرعية جديدة استناداً الى القرارات والتفاهمات الدولية، ويتطلب تعاوناً جدياً بين روسيا وأميركا وحلفائها، لان مواصلة الحرب لن تسمح للروس بتحقيق مكاسب ولن تسمح للأسد بأن يحكم سوريا مجدداً”.