IMLebanon

رحيل هيكل  في شتاء السخط

 في آخر زيارة له الى بيروت سئل محمد حسنين هيكل: متى تستعيد مصر دورها القيادي العربي الذي استغلت ثلاث قوى اقليمية غيابه لفرض أدوارها على المسرح العربي؟ وجاء جوابه، وهو القارئ الدقيق للجيوبولتيك والمؤمن بأن مصر من دون دورها القيادي مجرّد دولة عادية، واقعياً وصادماً لا مصر اليوم هي ما كانت عليه، ولا العالم العربي هو ما كان عليه. أمس شيّعت مصر صحافي القرن الكاتب والمفكر محمد حسنين هيكل، وهي حائرة في أمر دورها القيادي الذي يحتاج الى وضع داخلي قوي ومستقر. ولم يكن العالم العربي الذي فقد الأستاذ أقل حيرة حيال حاضر تضربه أحداث دراماتيكية متفجرة تقذفه الى مستقبل غامض على خرائط بلا طرق.

ذلك ان محمد حسنين هيكل كان مؤسسة في رجل. وما أنجزه ليس فقط الصعود الى قمة لم يصل اليها صحافي في مصر وأي بلد عربي وحتى في أوروبا وأميركا بل أيضاً البقاء على القمة. فهو ذو سلطان، سواء كان قريباً من الذين على قمة السلطة أو كان مغضوباً عليه. لا كل رصيده قربه من الرئيس جمال عبد الناصر وتعبيره عن سياساته. ولا هو فقد الرصيد أو خسر الاهتمام بما يكتبه بعد رحيل عبد الناصر. اذ بدأ العمل في الصحافة ايام الملك فاروق ونال جائزة فاروق قبل أن يحقق ما يحلم به اي صحافي في زمن الثورة التي صاغ فلسفتها في كتيب وعرف منذ البدء من هو قائدها الحقيقي، ورافقه في مواجهة أحداث عاصفة وفي صنع أحداث كبيرة.

هيكل لم يكن رجل ايديولوجيا فهو من النوع الذي يسأل مع الفيلسوف الفرنسي اندريه غلوسمان: اذا لم نمت أو نُقتل بالايديولوجيا، فهل علينا أن نعيش بلا أفكار؟. وهو في بحثه الدائم عن المعلومات يطبق الحكمة اللاتينية القائلة: المعرفة هي طعام العقل. ولا مرة أضاع البوصلة في اعتبار التحالف مع الشمال وبالذات مع سوريا عاملاً مهماً لا غنى عنه في الجيوبولتيك المصري. ولا مرة وجد في اي بديل من العروبة سوى خطر.

كلما جاء ذكر لبنان، كان الاستاذ يتحدث عن وظيفته ويصفه بأنه شرفة جميلة في المبنى العربي. وكلما زاره، كان اهتمامه الأول يتركز على ما يسميه مرصد الأفكار. لكن النار تندلع في المبنى العربي حالياً، والشرفة الجميلة تغلقها الرياح، والأفكار تقل في المرصد. وعن هذا المشهد في شتاء السخط رحل محمد حسنين هيكل بعد طغيان العصبيات على ثورات الربيع العربي. –