Site icon IMLebanon

الحقائب الحقيرة والصراع عليها بين «أناس حقيرين»؟!

 

بعد أن كدنا نجزم بأن الوزارة سيتم الإعلان عن تشكيلها خلال يوم أو يومين، وبعد أن كانت لذلك مقدمات، غاية في الإيجابية تمثلت في تصريحات العديد من المسؤولين، وبعضها حصل بالفعل قبل أكثر من أسبوع من خلال موافقة الوزير جنبلاط على الإكتفاء بوزيرين درزيين والتوافق على الوزير الدرزي الثالث مع الرئاسات الثلاثة، وأهمها حصل يوم الإثنين الفائت من خلال موافقة القوات اللبنانية على الإكتفاء بحصة مختصرة بوزرائها ومواقعها الوزارية المتواضعة، إذا بنا فجأة أمام ما اختلق في وجه التأليف متسارع الخطى، وأُسمي بعقدة المطالبة بتوزير ممثل عن وزراء سنّة غاطسين بانتماءاتهم في صلب أجواء الثامن من آذار، وبالتحديد هم جزء لا يتجزأ من أجواء النظام السوري، ومنتمون بغالبيتهم بالقول والفعل إلى تنظيم حزب الله، ومع أن المنطق العملاني يفرض أن يكون من يتم اختياره ممثلا عنهم ملحقا بحصص الفئة التي ينتمون إليها أساسا، يجيء إصرار مفاجئ من قبل حزب الله على وجوب تمثيلهم من ضمن حصة الرئيس الحريري، ملحقا بما يبدو أنه اقتراح من الرئيس عون بتسمية وزير سنّي آخر تابع للتيار الوطني الحر وتسليمه وزارة الإقتصاد الوطني!! وهذان الإقتراحان حصلا بصورة مفاجئة وضاغطة في رحاب المعمعة القائمة ليتشكل منهما مشروع عقدة العقد الجديدة التي حالت حتى الآن، دون المضي في وضع حدٍّ لإنهاء عملية الولادة الحكومية المتعسرة، ويخفض حصة المكّون السني إلى أربعة مواقع وزارية، ويرفع مستوى تمثيل المكون المسيحي في الحكومة إلى ما يناهز الأحد عشر موقعا وزاريا لرئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، إضافة إلى أربعة مواقع وزارية للقوات اللبنانية وفقا لآخر المستجدات بهذا الخصوص. وكان طبيعيا أن يرفض الرئيس الحريري هذا الطرح مفضلا عليه الإستمرار في وضعية الأزمة الوزارية المفتوحة والمنفتحة على كل الإحتمالات، بل ومفضلا عليه الإنسحاب من عملية التأليف، وليتحمل المسؤول عن الوضعية المأساوية المختلقة التي قد تجرنا إلى خراب ما بعده خراب، وهكذا دواليك، و ما أن يتواجد حل لعقدها الكبرى حتى تخرج إلى العلن وبصورة حادة وفجة، عقد جديدة، وكأنما المقصود جملة من السدود والعوائق السلبية المتأتية على ما يبدو من موقف يلبس قلنسوة الإخفاء ويضمر عكس ما يعلن، متجاوزا كل مواقف الهدوء ومسرحيات التسهيل، وكأنما المقصود، إبقاء الوضع السلبي والضبابي القائم على حاله، وربما يكمن خلف كل ذلك تلك التطورات الإقليمية الدائرة حول إيران ولواحقها الميليشيوية في المنطقة والتي ستعززها الولايات المتحدة وتوصلها إلى قمة حدتها في الرابع من شهر ت2 الحالي، عندما تطبق الإجراءات الإقتصادية على ما أمكنها من مكامن الإقتصاد الإيراني المتدهور إلى حدود شديدة الدقة والخطورة.

إن المواقف غير المنطقية والبالغة في تحدياتها والتي يتم إخراجها من قمقم خفي في وقت كانت كل الدلائل تذهب إلى الإعتقاد بأن سائر العقد قد تم حلّها بالفعل وأن الآتي، يعد لبنان واللبنانيين، باشراقة أيام مستجدة، أكثر ضوءا وأملا وتوقعا جدّيا لجني الثمرات الناتجة عن مؤتمر سيدر، ودفعا إيجابيا لكل ما تبدّى من رغبات في معالجة الأوضاع العامة بما يُصلح أحوالها ويزيل مساوئها وينظف البلاد من أدران الأيام السوداء السالفة بكل فسادها وتدهور أوضاعها المظلمة، ومعالجة المشاكل الإجتماعية والمعيشية التي طغت على كل البلاد وباتت تدفع بشبابنا الذي يعاني من البطالة وظلام النظرة إلى المستقبل القريب والبعيد، إلى محاولة شدّ الرحال والهجرة إلى حيث تمكّنه الأحوال إلى ابواب رزق وحياة كريمة في بلاد الآخرين، دون أن ننسى طحشة النظام السوري باتجاه استعادة ما أمكنه من أوضاعه التي كانت سائدة لمصلحته في لبنان والتي يؤمّنها له حاليا جملة من المنتمين إليه وإلى توجهاته التي عانى اللبنانيون منها الأمرين، وانتهت بثورة الأرز ونتائجها المثمرة، التي لم يعرف أركانها، مع الأسف، كيف يحافظون عليها ويستمرون قولا وفعلا في انقاذ ما تبقى من هذه البلاد المنكوبة، وأهلها الذين سلموا أنفسهم وأولادهم ومستقبلهم، إلى تلاعب الأقدار وتحكّم الأشرار.

يبقى تحفظ على ما ذكرنا لا بد من الإشارة إليه: لعل موقف حزب الله من التمثيل الذي يقترحه، نوع من رفع العتب حتى اذا لم ينجح في تحقيقه، يكون قد قام بما يرى عليه من واجب، تجاه المحسوبين عليه والغارقين في أحضانه السياسية والمنافعية والانتخابية إلى أقصى الحدود، وعسى أن تكون هذه حقيقة الوضع الرافض لنكون قولا وفعلا على أبواب تأليف حكومة جديدة، وأوضاع متجدّدة في الشكل وفي الأساس. وأخيرا… لفت انتباه الجميع، خلاصات وصل إليها كثيرون وأوردوها في تصريحاتهم وبياناتهم الأخيرة، ولعل أبرزها ما جاء على لسان رئيس القوات اللبنانية من خلال تبريره للمستجدات التي أعلن عنها، والتي تشكل عنوانا للمرحلة المقبلة بكل حماواتها وتحدياتها ودرجة الاحتقان المتمثل فيها، فعندما يلخّص جعجع، حقيقة الأوضاع والدوافع إلى انتهاج موقفه الإيجابي المستجد والمتغاضي عن الإساءات المتكررة بالمثل الفرنسي الذي حوّله لما يتلاءم مع المنطق القواتي: ليس هناك من حقائب حقيرة وانما هناك اناس حقيرون! وبالمثل الإنكليزي الذي أورده على لسان رئيس الوزراء البريطاني الراحل ونستون تشرشل: في المكان الذي أجلس عليه أنا، يكون رأس الطاولة! كلام حاد وعميق الجذور والمقاصد، ويوحي بكثير من الدلالات إلى الوضعية التي ستسود لاحقا طاولة مجلس الوزراء ومداولات وقرارات ذلك المجلس، ونحن سنكون أمام حماوات واحتقانات في الكلام والمواقف والنتائج، ما بين ممثلي لبنان القوي وتكتل الجمهورية القوية، وربما يكون ذلك بمؤازرة قوى غيرهما تشاركهما في المواقع الحكومية ومواقف أطرافها.

وقانا الله من كل قوة جامحة لا تكون فيها مصلحة اللبنانيين هي الغاية والهدف، آملين أن تعود الأحوال قبل فوات الأوان إلى أوضاعها ومطالبها الطبيعية، وقد علمتنا الظروف والمستجدات وتطور الأحداث، أن هذا البلد لا يمكن أن يُحكم إلاّ بالعودة السريعة إلى أوضاع دستورية وقانونية سليمة، وإلى مراعاة مبادئه الميثاقية وأوضاعه السيادية وأحواله المتدهورة إلى أقصى الحدود، وإلاّ، فإنه يكون طبيعيا ومنطقيا، متابعة الهبوط إلى أقصى مكان في قعر السلبيات القائمة والمتوقع حصولها مصحوبة بأقصى حدود الأذى والضرر.