Site icon IMLebanon

اللبنانيون يحوّلون “محنة” دمار بيروت الى “منحة” لإسقاط “سلطة الإذلال”!

 

يبدو ان اللبنانيين تلقفوا هذه المرة الفرصة الأخيرة، التي منحتهم إياها الدول الراعية والمانحة وفي مقدمها فرنسا، بفعل هول دمار بيروت، الذي سوّى جزءاً حيوياً منها بالأرض، وأزهق بالمجان أرواحاً لا تعرف بأي ذنب.

 

اللبنانيون على الرغم من انهم لا يزالون تحت وقع الصدمة، إلا انهم يتشبثون بلحظة الأمل “الدموية” بأسنانهم وأظفارهم، وشمروا عن سواعدهم واستعادوا ساحاتهم بسلميتها وصخبها و”عنفها الثوري” للتعبير عن غضبهم المكبوت من جراء سلطة الإذلال والإهمال وللتصدي لنظام الفوضى الذى أرساه “حزب الله”، عبر إتيانه بحكومة نفح فيها من روحه، بالتكافل والتضامن “السلبي” مع عهد ينكث بكل العهود، أوصلتهم الى ما وصلوا إليه.

 

إذاً، لبنان دولة فاشلة. هذا ما يقوله اللبنانيون عملياً في كل ما عبروا عنه من غضب تجاه منظومة السلطة، اثر النكبة التي اصابت لبنان من خلال التفجير الذي وقع في مرفأ بيروت، وهذا ما يقوله العالم المندفع لمساعدة لبنان للخروج من النفق الذي دخل فيه منذ تفجير اكثر من الفي طن من مادة نيترات الامونيوم، ففرنسا والولايات المتحدة الاميركية وغيرهما من الدول، اعلنت من دون تردد، انها ستقدم مساعداتها مباشرة الى الشعب اللبناني. وخلال  مؤتمر المانحين لمساعدة بيروت والشعب اللبناني، الذي عقد في باريس افتراضياً امس، اعلن ان المساعدات سيتم الاشراف عليها من خلال الأمم المتحدة، وهي رسالة قوية للحكومة بأن لا ثقة دولية بالحكومة وكل منظومة السلطة.

 

هذه الرسالة الدولية، تأتي استجابة لأصوات المنكوبين الذين اعلنوا من بيروت وامام الملأ وخلال زيارة الرئيس الفرنسي اثر الفاجعة، انهم يرفضون ان تتولى الدولة اللبنانية ومؤسساتها استلام المساعدات وتوزيعها على من يستحقها.

 

هذه الرسالة تعطي الاشارة الى ان لبنان بات على اهبة الدخول في مرحلة جديدة، بعدما فشلت السلطة او تمنعت عن القيام بالحدّ الأدنى من الاجراءات الاصلاحية منذ مؤتمر سيدر وقوضت الفرصة التي اعطيت لها كما قال الرئيس الفرنسي في بيروت منذ نيسان 2018، وجاءت نكبة التفجير لتقوّض نهائياً كل الآمال التي بقيت معلقة على السلطة، بعدما كشف التفجير الغامض، ان الاهمال وغياب المسؤولية، والفساد، هي من الاسباب الواضحة والجلية لوقوع الكارثة مهما كان سبب التفجير المباشر.

 

ازاء ما تقدم فان لبنان امام استحقاق جديد، وهو اعادة ترميم الثقة والمصداقية، في سياق عملية الخروج من تحت الانقاض، وعملية ترميم واستنهاض الدولة.

 

كشفت التسوية الرئاسية بكل ما تضمنته من وصول ميشال عون الى السلطة، ومن تسليم شبه كامل لـ”حزب الله” في التحكم في الدولة وخياراتها، ان هذه التسوية التي اتاحت لهذا الحزب الامساك بلبنان والتحكم بسياساته الداخلية والخارجية، والاشراف على نظام المحاصصة والفساد، قد وصلت الى مفترق طرق، ومفصل سيقرر مصير لبنان.

 

من هنا فان مؤتمر المانحين في باريس امس، تقدم خطوة باتجاه ملء فراغ السلطة الذي سببه الحكم الفاشل والدولة المتهالكة بفعل السلطة وسوء الادارة ونظام المحاصصة، وهي فرصة للبنان من اجل اعادة الاعتبار لمفهوم الحكم الرشيد، وللدولة ومؤسساتها، وفرصة من اجل اسقاط الثنائيات التي قوّضت مصالح الدولة بما فيها الشعب الذي تعرض لأكبر عملية نهب من خلال احتجاز الودائع المصرفية، والى احدى اكبر الجرائم التي عبر عنها التفجير الاخير وما سببه من نكبة انسانية واقتصادية.

 

من هذا المنطلق فان ما يجب استكماله، ازاء خطوة مؤتمر المانحين في باريس، هو الأهم في سياق انقاذ ما يمكن انقاذه من لبنان الوطن والمؤسسات والشعب، فالرعاية الدولية ومن خلال الأمم المتحدة، باتت حاجة وجودية للدولة، ولعل ماكرون، التقط فرصة استثنائية لتحويل المشهد المأسوي في لبنان اليوم الى فرصة انقاذية، وعلى رغم ان فرنسا تفتقد القدرة على تحقيق ما تصبو اليه في لبنان مع تراجع دورها ونفوذها في العالم العربي، الا انها تدرك ان ثمة فرصة تاريخية ان تلعب هي نفسها دوراً محورياً في اعادة بناء دولة لبنان الكبير كما فعلت قبل مئة عام، وما اعلان ماكرون انه عائد الى لبنان في مطلع ايلول المقبل، اي في مئوية لبنان، الا مؤشر على ذلك.

 

ماكرون يدرك في المقابل ان فرنسا لم تعد فرنسا التي كانت قبل مئة عام، فليس هي من يقرر في هذا البلد، ثمة دور ايراني فاعل، واميركي حاضر، لكن ما يجعل الهبة الفرنسية تجاه لبنان مؤثرة، هو ان الخيارات المتاحة والمسيطرة باتت مدمرة، ولا ثقة لبنانية شعبية بها.

 

في المعنى السياسي فان مؤتمر المانحين، يفتح الباب مجدداً للبنان من اجل الخروج من النفق الذي ادخل فيه، وهذا الخروج بات يتطلب بدرجة كبيرة انهاء المبررات المسببة للانهيار والتداعي، وهي الى حدّ كبير تتصل في جزء محوري منها بحلّ سطوة “حزب الله” على الحياة السياسية، واعادة ربط لبنان بمحيطه العربي، وتثبيت الحدود البرية والبحرية مع اسرائيل، والتي اشار الرئيس نبيه بري قبل ايام الى انها باتت شبه منتهية، كما ضبط الحدود مع سوريا، عبر تحديدها وترسيمها، وتنفيذ كل القرارات الدولية المتصلة بلبنان، بما فيها القرار 1701.

 

من هنا تأخذ الدعوة الى الحياد التي اطلقتها بكركي، اهميتها، بعدما نجحت الممانعة بقيادة “حزب الله” في القضاء على كل مصادر القوة الوطنية، واختصرت لبنان ببندقية. الدور الفرنسي هو الفرصة المتاحة للبنان، وماكرون يلتقط هذه اللحظة المأسوية في محاولة لجعلها فرصة تاريخية تتلاقى مع اصوات اللبنانيين الغاضبة.