يمثل الناشط حسن ياسين أمام القضاء العسكري، بتهمة «غير واضحة»، لحيازته، وفق قوى الأمن الداخلي، «زجاجات فيها بنزين»، وقد افترض بيانها، استباقاً للتحقيقات، أنها معدّة لـ«تصبح قنابل مولوتوف للاستخدام في وسط بيروت»… باب «الاجتهاد الأمني» قد يُفتح حيال «نيّة» الموقوف استخدام المواد ضدّ القوى الأمنيّة مثلاً، فيما بيانها نفسه أعلن أنه «استخدمها أمام مصرف لبنان وجمعيّة المصارف»، وهو ما يؤكّد مرّة جديدة «حساسيّة» الضابطة العدليّة تجاه التعرض للمصارف دون سواها… وسهولة «تحميل» معتقل واحد تهماً عن كلّ الشغب الذي مورس أمام المصارف التي تحتجز ودائع الناس.
بإشارة من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، يُحال اليوم المعتقل حسن ياسين إلى الشرطة العسكرية، من دون الادّعاء عليه، وبتهمة «غير واضحة»، قد تكون حيازته موادّ مشتعلة، بانتظار إشارة مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة.
ياسين كان قد خضع للتحقيق معه في ثكنة الحلو منذ ليل الأربعاء، بعد اعتقاله من أمام جمعيّة المصارف، و«الادعاء عليه غير واضح» إذ لم يتمكّن المحامون من الاطلاع على التحقيق الأولي معه. عويدات أشار أيضاً إلى عرض ياسين على طبيب شرعي، إنما «على نفقته الخاصة»، وهو ما يخالف حسن تطبيق المادة 47 من أصول المحاكمات الجزائيّة، إذ إن هذه الكلفة قد تمنع الموقوفين من الحصول على حقّهم بالكشف الطبي. كما لم يتمكّن محامو لجنة المحامين المتطوّعين للدفاع عن المتظاهرين من لقائه قبل خضوعه للتحقيق، بما يخالف المادة المذكورة، وهم التقوه بعد التحقيق معه.
اعتقال ياسين جرى أمام جمعية المصارف في الجمّيزة، خلال مشاركته في المسيرة الاحتجاجيّة التي نظّمت مساء الأربعاء، من أمام مصرف لبنان في الحمرا، مروراً بالجمعيّة، وصولاً إلى البرلمان. بيان المديريّة العامة لقوى الأمن الداخلي أفاد، أمس، عن «توقيف شخص واحد لحيازته 5 زجاجات تحتوي على مادة البنزين، كانت معدّة لتصبح قنابل مولوتوف، وقد جرى سوقه إلى القضاء المختص»، فضلاً عن تخلية جميع موقوفي احتجاجات الأربعاء في وسط بيروت. البيان أُرفق بصورة لزجاجات خمس قال إنّها «تحتوي على البنزين» وفقه، أي على مواد مشتعلة، لكنّ البيان اجتهد حيال وجهة استعمالها بأنّها «معدّة لتصبح قنابل مولوتوف».
«الاجتهاد الأمني» بشأن «النيّة الجرميّة» للموقوف، حصل أيضاً في بيان قوى الأمن أول من أمس، الذي جاء فيه «إن أحد مثيري الشغب قام برمي مادة البنزين على مبنى مصرف لبنان وتكسير واجهة أحد المصارف، ولدى توجّه المظاهرة إلى مبنى جمعيّة المصارف، حاول رمي عبوة أخرى، فتمّ توقيفه». السؤال الأوّل الذي يُطرح: لماذا لم يلقَ القبض على «مثير الشغب» حيث «رمى البنزين» من أمام مصرف لبنان في الحمرا، أو المصرف الذي «كسّر واجهته»، قبل أن يصل إلى جمعيّة المصارف في الجمّيزة؟ يتابع البيان: «وضُبط بحوزته 4 عبوات تحتوي على مادّة البنزين وقنابل مولوتوف كان ينوي استخدامها في وسط بيروت». البيان وزِّع بتمام التاسعة والنصف من مساء الأربعاء، أي بعد وقت قصير من اعتقال الشاب، فكيف توصّل التحقيق معه بهذه السرعة إلى أنّه «ينوي استخدامها في وسط بيروت» وما هي وجهة استخدامها؟ هل اعترف بذلك تحت الضرب من أمام جمعيّة المصارف، حيث جرى اعتقاله إلى ثكنة الحلو؟ أم أن الضابطة العدليّة باتت تنفّذ المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة على وجه السرعة؟ والمادة المذكورة لم يحترم نصّها كاملاً لا في حالة ياسين ولا في معظم حالات الاعتقال التي حصلت منذ انطلاق الانتفاضة، وهي تقضي بالسماح للموقوف بالتواصل مع أحد ذويه، ومقابلة محامٍ قبل التحقيق وليس بعد انتهائه، وطلب طبيب شرعي ليس على نفقته الخاصة… وخاصة أن رفاق المعتقل ذكروا أنه «تعرّض للضرب».
المديريّة لم تعلن فتح تحقيق في الضرب الوحشي الذي تعرّض له الناشط دانيال أبي جمعة
التعرّض بالضرب ليس جديداً على الممارسات الأمنيّة، إذ لم نعرف حتى الآن ما هي نتائج التحقيق الذي أعلنت المديريّة العامة لقوى الأمن الداخلي عن فتحه بشأن فيديو ضرب المعتقلين خلال نقلهم إلى داخل ثكنة الحلو. كما أن المديرية نفسها لم تعلن إلى حينه فتحها تحقيقاً داخلياً حيال سوء استخدام قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي… وكذلك لم نعرف أي تفصيل بشأن أحقيّة عناصرها باستخدام الحجارة لرشق المحتجّين! مع ضرورة تذكير المديريّة بأنّ هذه الممارسات اقتلعت عيون عدد من المحتجّين وبترت أعضاء بعضهم، وسبّبت لكثيرين ارتجاجاً في الدماغ وفقداناً مؤقتاً للذاكرة. كما أن التحقيق الذي طلبته الوزيرة ريا الحسن من المفتّش العام لقوى الأمن، قد يكون مساره شبيهاً بما سبقه من تحقيقات داخليّة.
بما أن ياسين اعتقل أمام جمعيّة المصارف، كان يفترض بالمديريّة العامة والقضاء العسكري، تذكّر حادثة الضرب «الوحشيّ» الذي تعرّض له الناشط سليم الغضبان، أمام المبنى نفسه من قبل عناصر قوى الأمن، أثناء اعتقاله مطلع تشرين الثاني الماضي، لأنّه حاول اعتراض اعتقال رفاقه في «الحركة الشبابيّة للتغيير» بعد إلقائهم بياناً من داخل الجمعيّة. ولم نعرف شيئاً حتى الآن، بخصوص التحقيق بحادثة الضرب المبرّح الذي ظهر على جسد سليم بعد الإفراج عنه، سواء عند اعتقاله أو في الطريق إلى ثكنة الحلو، وهو كان حينها مواطناً أعزل يحاول ورفاقه تسجيل اعتراض سلميّ من داخل الجمعيّة المسؤولة عن ممارسات المصارف بحقّ صغار المودعين. المديريّة نفسها، التي خرجت بالبيانات التبريريّة لكل الممارسات والاعتقالات، لم تعلن عن فتحها تحقيقاً بشأن حادثة الضرب الوحشي الذي تعرّض له الناشط دانيال أبي جمعة، على أيدي «مكافحة الشغب» منتصف كانون الأول الماضي، ما أدّى إلى تضرّر فقرات ظهره وهو لا يزال يخضع للعلاج في مستشفى الجامعة الأميركيّة إلى اليوم.