الرئيس فلاديمير بوتين يكمل بالانخراط المباشر في حرب سوريا الدور الذي بدأه بالفيتو في مجلس الأمن وتقديم الأسلحة والبحث عن حل سياسي فوق مسرح لأهم لعبة جيوسياسية في الشرق الأوسط. وهو لعب أوراقه بمنهجية في الأساس والتفاصيل. ففي بداية حرب سوريا قال الخبير الروسي ديمتري ترينين مدير مركز كارنيغي في موسكو إن سياسة موسكو في سوريا ليست حول سوريا بل حول روسيا ومن يقرر في النظام العالمي. وحين قال وزير الخارجية سيرغي لافروف إنه ليس لدينا أهداف استراتيجية في سوريا فإنه كان يخفي أهداف موسكو من دورها في سوريا.
والكل يرى الآن من عواصم المنطقة الى نيويورك نجاح مغامرة بوتين المحسوبة، بحيث تبدو روسيا بعد دخول الحرب عامها الخامس الرابح الاستراتيجي الكبير وسط كثير من الخاسرين وقليل من الرابحين تاكتيكياً. وما ساعد في هذا ليس فقط تردد الرئيس باراك أوباما وفشل السياسة الأميركية بل أيضاً تشرذم المعارضة، وصراعات القوى الاقليمية، ولامبالاة أوروبا، وتماسك النظام برغم خسائره، وصعود داعش والنصرة والتنظيمات السلفية الارهابية.
ولا شيء خارج الحسابات الباردة في أزمة حارة سياسياً واجتماعياً وثقافياً، لا فقط عسكرياً. فقبل أن يذهب بوتين للمرة الأولى منذ عشر سنين الى دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة، جاءت النقلة العسكرية النوعية على الأرض: طائرات مقاتلة وطائرات نقل تحمل أسلحة متطورة ورجالاً تحط في مطار قرب اللاذقية. وأحاديث عن استعداد للتدخل المباشر اذا طلبت دمشق ذلك. وبعد عودته من نيويورك ولقائه مع اوباما جاءت الخطوات سريعة ومنظمة: الرئيس بشار الأسد يطلب مساعدة عسكرية روسية عاجلة. البرلمان يجيز استخدام القوة خارج الاتحاد الروسي شرط أن يقتصر استخدامها على القوى الجوية ولمدة محددة. والطائرات تقصف أهدافاً بعد إخطار أميركا بالعملية وسط شيء من التنسيق الأميركي – الروسي.
ومن الصعب أن يكون القصف الجوي هو كل ما في التدخل الروسي المباشر. فالنظام يقصف بطائرات من صنع روسيا. والتحالف الدولي بقيادة أميركا يقصف منذ عام. واذا كان اوباما وبوتين اتفقا على سوريا دولة موحدة علمانية والتصدي لداعش كما اعلن كيري، فان تحقيق ذلك يحتاج الى ما يتجاوز القصف الجوي. والمشكلة ان اللعبة واضحة وغامضة. الواضح عند بوتين هو أين يقف، والغامض هو الى أين يريد الوصول. والواضح عند اوباما هو ما يريد الوصول اليه، والغامض هو أين يقف. أما الذي اختلف عليه الرئيسان فإنه محدد، والذي اتفقا عليه فإنه عمومي.