كلما صعد «حزب الله» إلى تلة في القلمون السوري.. سقطت بقايا سلطة الأسد في هوّة جديدة على طريق اندثارها التام.
والعلاقة بين الأمرين واضحة ومفهومة، حيث إن ازدياد وتيرة التدخل العسكري المباشر من قبل الحزب في الداخل السوري، لا يعني سوى أن بقايا سلطة الأسد تزداد عجزاً وضعفاً ولا شيء غير ذلك!
وفي السياق والزمان والزاروب ذاته يأتي وضع إيران المزيد من مقدراتها في السّلّة الأسدية المفخوتة، حيث تزخّم «المساعدات» على أنواعها وأولها المال النقدي، من دون أن ينفع ذلك وغيره في وقف المقدّر عند حدّ بقاء الأسد في مكانه وزمانه.
أي، لا الدم اللبناني ولا المدَد الإيراني ولا التذخير الروسي ولا القرار الأوبامي، ولا البراميل المتفجرة ولا السلاح الكيماوي ومشتقاته، ولا الشراسة الهستيرية في الفتك والقتل والانتهاك.. لا شيء من ذلك كله أمكنه أو يمكنه إعادة تصحيح النتيجة الأخيرة لهذه الحرب، ومنع السقوط الحتمي للأسد.
هذه حرب انتهت لكن معاركها مستمرة. وأكثر ما في عبثيتها هي امتداداتها اللبنانية، في السياسة والنفوس والنصوص كما في الميدان المشتعل في جرود البقاع الشمالي.. ولا يناصب الضمير والصواب العداء، الادعاء القائل بأن «حزب الله» على خطى الإيرانيين في كل شيء. في الصح والخطأ والخطيئة: يعرف أكثر من كل الناس حقيقة الوضع عند الأسد وصحبه وعصبته ومع ذلك يستمر في المكابرة والمناتعة ويعطي لمعاركه التلالية أبعاداً غير صحيحة بل مجافية لكل منطق بما فيه الميداني نفسه.
وبغض النظر عن «داعش» ووظائفه وطلاسمه، فإن سيطرته بالأمس على تدمر تؤكّد على مدى تجذّر العجز في التركيبة العسكرية والأمنية الأسدية، تماماً مثلما تؤكّد تلال القلمون ذلك المعطى.
لكن إذا كان «داعش» أحجية، ومعاركه ممسرحة وتفوح من نيرانها روائح العبث البعثي المزدوج، العراقي والسوري، فإن السؤال عن معنى إمعان «حزب الله» في الحرب السورية يبقى في مكانه: هل يتطلّب «تحصين» المواقع في القلمون إشعال لبنان بالفتنة انطلاقاً من عرسال؟ أم إن الحزب يدخل في حرب استباقية فعلية، لكن هذه المرة، ليست لمنع «التكفيريين» من الدخول إلى لبنان، وإنما تحسباً لاحتمال انهيار بقايا السلطة في عصبها الدمشقي، دفعة واحدة؟
وذلك الاحتمال الهاجسي الذي يحرّك عمليات القلمون، على ما يبدو، يعني «انتقال» السلطة الأسدية، أو بقاياها إلى اللاذقية وجوارها في الشمال السوري، وذلك يستدعي حفظ خطوط الإمداد والوصل معها، وذلك بدوره يستدعي «إنهاء» الدفرسوار العرسالي القائم على ذلك الخط.. وذلك يعني استدعاء شيء من التذاكي للوصول إلى الهدف: أي إسقاط عرسال من دون إشعال فتنة؟! أي إحالة المعركة على الجيش والدولة اللبنانية!
كيف ستركب هذه المعادلة؟
وكيف يفترض «حزب الله» أن «الأغيار» اللبنانيين سيرضون بهذه الكارثة؟ أم إن كل شيء يهون، أمام أمر «الولي الفقيه»؟! غريب!