Site icon IMLebanon

جنوح العهد للتطبيع مع سوريا يهزّ التسوية.. ويرفع منسوب التحدّيات!

 

تأكيد رئيس الجمهورية مواقفه يكشف متانة توافقه مع المحور الإيراني وعقم رهانات «المستقبل» و«القوات»

الانطباع السائد لدى كثير من المراقبين أن الضغوطات التي ستواجه الحكومة الحريرية ستشتد أكثر مع ارتفاع منسوب التحديات أمامها سواء الداخلية منها أو الخارجية، لكن السؤال الذي يطرح في الكواليس يكمن في مدى قدرة الحكومة على الحفاظ على تضامنها والصمود على وقع تزايد الملفات الخلافية ذات الطابع السياسي، وفي مقدمها ملف التطبيع مع سوريا الذي بدأ يرخي بظلاله على التسوية السياسية برمتها، والتي يظهر يوما يعد يوم عمق الاختلال الذي أحدثته في موازين القوى الداخلية مع انكشاف رؤية العهد بشكل جلي في البعد الاستراتيجي.

فالتسوية التي جاءت تحت مقولة وقف انهيار الدولة بما تشكل عودة الدولة ومؤسساتها من مشروع نقيض لمشروع تحويل لبنان إلى دولة فاشلة تصب في خدمة أهداف مشروع «حزب الله»، لا تبدو أنها تؤمن هذا الهدف بقدر ما تدفع بلبنان دولة ومؤسسات إلى السقوط أكثر في فلك السياسة التي يرسمها الحزب كجزء من المنظومة الإيرانية والتي يتماهى معها العهد، مما يجعل الفريقين الرئيسيين في قوى الرابع عشر من آذار، وهما «تيار المستقبل» و«حزب القوات اللبنانية» اللذين أمّنا وصول رئيس «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة في مأزق حقيقي، وفق مناهضي التسوية. ومرد المأزق يعود إلى أن كلفة البقاء في توفير الغطاء لهذه التسوية هي كلفة مرتفعة تماماً كما هي كلفة الانسحاب منها، لا بل أنهما قد لا يكونان قادرين على الخروج منها راهناً أو أنهما يفضلان البقاء في خضمها ما دام مسار المواجهات الاقليمية لم تتضح معالمه النهائية بعد وما سيحمله من تسويات كبرى وما دامت البدائل لم تتبلور أيضاً.

غير أن استمرار هذا المنحى قد لا يكون ممكناً في قابل الأشهر، أو على أقل تقدير قد يكون مكلفاً جداً للبنان، إذا لم تستقم قاعدة الشراكة التي تعيد الاعتبار للتوازن السياسي للبنان، الذي كان يؤمل أن يتحقق عبر سياسة «تحييد لبنان» عن حرائق المنطقة، قبل أن تدفع سياسات ومواقف العهد إلى وضع لبنان في مواجهة محيطه العربي والدولي.

ففي الوقت الذي تشتد المواجهة مع إيران على خلفية تدخلها عبر أذرعها العسكرية ولاسيما «حزب الله» في المنطقة من سوريا الى العراق واليمن وصولاً الى دول الخليج العربي، وفي الوقت الذي يتم فيها المساواة بين التنظيمات الشيعية ومن ضمنها «حزب الله» والتنظيمات السنية المتشددة مثل «جبهة النصرة» و«تنظيم القاعدة» كتنظيمات إرهابية، يذهب رئيس الجمهورية إلى محض سلاح «حزب الله» الغطاء الشرعي متجاهلاً أنه مسألة خلافية داخلية، لا بل يوفر له سبل الديمومة كسلاح مساند للسلاح الشرعي بذريعة عدم قدرة الجيش اللبناني، على الرغم من أن معركة «فجر الجرود» أثبتت قدرات الجيش اللبناني وإمكاناته في مواجهة الارهاب ومدى الدعم الدولي للمؤسسات العسكرية الشرعية، في الوقت الذي كان «حزب الله» يجهد بكل السبل الى تكريس الشراكة بينه وبين الجيش في إطار تهيئة المناخات الداخلية لتحقيق هدفه الرئيسي بتشريع سلاحه مستقبلاً.

وذهاب رئيس الجمهورية إلى تأكيد مواقفه هذه يعكس في واقع الأمر مدى متانة التوافقات بينه وبين المحور الإيراني ومدى عقم رهانات «المستقبل» و»القوات» بإمكانية الاتيان بعون إلى المنطقة الوسطية من موقعه كرئيس للجمهورية القادر على ضمان مصالح لبنان وعمقه العربي وعلاقاته الدولية، والحفاظ على المظلة التي توفرها الشرعية الدولية عبر احترام القرارات الأممية ولاسيما القرار 1701.

على أن المخاوف اليوم تزداد مع ظهور مدى التباينات داخل الحكومة عند كل استحقاق، بحيث أن الاتفاق المصطنع على إدارة شؤون الدولة سريعاً ما يهتز قبل أن تتم لملمة الوضع عبر تسويات تؤول هي الأخرى إلى مآزق جديدة على غرار التعامل مع ملف سلسلة الرتب والرواتب وقانون الضرائب الذي كشف إبطال المجلس الدستوري له مدى قصور وخفة المسؤولين في مقاربة الملفات الحياتية والاقتصادية والمالية التي يفترض أن تشكل رافعة للسلطة الحاكمة في ظل وئام التسوية فإذا بها تشكل عامل جذب إلى القعر بعل الإخفاق والفشل والانحراف نحو مزيد من ضرب مصداقية الدولة عبر شبهات الفساد وغياب الشفافية، ما يدفع إلى مزيد من فقدان الثقة بالطبقة الحاكمة وإلى احتقان اجتماعي قد ينفجر في أي لحظة أو قد يستغل من قبل من يتمتع بقدرة على تحريك الشارع في استخدامه للإطاحة بالحكومة حين لا يعود بقاؤها مؤاتياً لشروط التسوية.

والاستخدام للشارع ماثل في الأذهان للإطاحة بالحكومات، والمخاوف اليوم تتمثل في واقع أن لبنان دخل عملياً في فلك الضغوطات، فهناك معركة التطبيع مع سوريا التي لم يفتحها محور طهران- دمشق- حارة حريك كي يقفلها سريعاً، بل كي يذهب بها إلى النهاية مع انضمام تيار رئيس الجمهورية إليها ليس فقط من باب الحاجة إلى التنسيق لحل أزمة النزوح السوري بل من باب أن العلاقات الدبلوماسية مع سوريا هي موجودة أصلاً ولم تنقطع يوماً من الأيام، وليس وزير الخارجية بحاجة إلى موافقة مجلس الوزراء كي يجتمع بنظيره السوري وليد المعلم، وهو لقاء لقي كل الثناء من حلفاء سوريا واعتراض خجول من خصومها. وهناك أيضاً رزمة العقوبات الأميركية الجديدة على «حزب الله» التي تنتظر أن يقرها الكونغرس بعدما بدأ مسار إقرارها في اللجان، وهي عقوبات تشمل أشخاصاً ومؤسسات على ارتباط بالحزب كما بلديات لبنانية ودولاً داعمة له. ولا يتعلق الأمر فقط في شق التضييق المالي على الحزب بل أن الكونغرس الأميركي يمضي في مشروع أخر يتضمن معاقبة «حزب الله» على استخدام المدنيين دروعاً بشرية خلال «حرب تموز» عبر نشر ترسانة من الصواريخ داخل القرى الشيعية في الجنوب اللبناني وهو يستمر بذلك في انتهاك للقانون الدولي والحقوق الانسانية، ما يستدعي التوجه إلى الأمم المتحدة لاصدار قرار أممي لفرض عقوبات ضده لهذه الغاية.

فالعقوبات الأميركية اعتبرها «حزب الله» بأنها «مشاريع عدوانية تصعيدية تستهدف لبنان مجتمعاً ودولة ومؤسسات» ما يطرح تساؤلاً جدياً عن كيفية تعاطي الحكومة معها ولاسيما أن احتواءها لا يتأمن هذه المرة عبر إجراءات مصرفية يتخذها المصرف المركزي بل تتعدى ذلك في أبعادها وانعكاساتها الداخلية والإقليمية والدولية، ذلك أنها إيذان ببدء مرحلة الضغوطات الفعلية على لبنان.

رلى موفق